السفير: الأردن يناور ضد «داعش».. في حيّز ضيّق!

33

87712_1_1412680775

حصاد نيوزنشرت صحيفة “السفير” اللبنانية تقريراً، اليوم الاثنين، تحت عنوان “الأردن يناور ضد «داعش».. في حيّز ضيّق!”، وتالياً ما ورد فيه: 

لا تقلّ التناقضات الموجودة على الساحة الأردنية عن تلك الموجودة في المنطقة التي تشهد حرباً معقدة تتخذ ظاهرياً مسمى «الحرب على الإرهاب»، ففي اليوم التالي على تنفيذ سلاح الجو الأردني ضربات ضد أهداف لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» – «داعش» صدر قرار قضائي بتبرئة القيادي البارز في التيار السلفي الجهادي أبي قتادة الفلسطيني، وقبل ذلك بأشهر عدة تمّ الافراج عن أبي محمد المقدسي، القيادي الآخر في هذا التيار، فيما تبع ذلك، في المقابل، إلقاء القبض على منتسبين إلى التيار السلفي الأردني.

ولعل ما يبدو تناقضاً في هذا الامر، إنما هو أشبه بمعادلة كيميائية، يسعى الأردن لموازنة أطرافها عبر مقاربة «أمنية» ليحمي أرضه من أية هجمات انتقامية تأتيه من خارج الحدود.

وقبل سنوات نجحت المقاربة الأمنية في موازنة أطراف المعادلة عندما استخدم الاردن أبا محمد المقدسي في مواجهة أبي مصعب الزرقاوي عبر تصريحات للأول ضد سياسة الأخير، ونجح في استثمار الانقسامات في صفوف السلفية الجهادية في حرب الأردن وحلفائها ضد أبي مصعب الزرقاوي.

لكن معادلة السلفية الجهادية في المنطقة تزداد تعقيداً كلما ازدادت الحرب تعقيداً، فهل ستفرض الظروف على النظام الأردني مقاربات إصلاحية تتلخص في محاربة الفساد وتعزيز الديموقراطية والحريات العامة، والتي كانت مطلباً للناشطين وأحزاب المعارضة منذ بدء الربيع العربي أم انه سينتهج اسلوب المناورة ضد «داعش» في حيز ضيق؟

المقدسي وأبو قتادة في مواجهة «داعش»؟

مرحلياً ستكون الإجابة «نعم». أبو قتادة والمقدسي في مواجهة «داعش»، فهما قياديان بارزان في التيار السلفي الجهادي العالمي. وعلاوة على تصريحات المقدسي المنتقدة لـ«داعش»، كتب ابو قتادة رسالة ينتقد فيها نهج «دولة الخلافة»، وهي تحمل عنوان «ثياب الخليفة» انطلاقاً من رؤية شرعية، علماً بأن ابا قتادة كتب تلك الرسالة في تموز من العام الحالي أي قبل خروجه من المعتقل.

في المقابل، مازال القيادي في التيار السلفي الجهادي عبد شحادة الطحاوي، الملقب بأبي محمد الطحاوي، في المعتقل، لكونه أحد مؤيدي تنظيم «داعش»، وقد أعرب عن هذا التأييد مراراً، وكانت المرة الأخيرة عندما وجه في مطلع الشهر الحالي رسالة من سجنه يؤكد فيها أن «داعش» ليس فقاعة، وأن التحالف ضده هو تحالف الشيطان على المسلمين والمسلمات، وأنه لن يغيّر موقفه من «الدولة الإسلامية» حتى لو كان ثمن ذلك انتقاله من السجن الى القبر.

لذا لا يستطيع المراقبون والمتابعون النظر إلى تبرئة أبي قتادة وقبله المقدسي خارج سياق «صفقة» جمعت بينه وبين المؤسسة الأمنية لحماية الأردن من خطر تنظيم «داعش» الآتي من خارج الحدود، أو الكامن على الأراضي الأردنية، لكن هذا التحليل ينفيه معظم الباحثين المتخصصين في الجماعات الاسلامية، ومن بينهم محمد أبو رمان، الذي استبعد، في مقال كتبه في اليوم التالي لإطلاق سراح أبو قتادة، أن يكون ذلك نتيجة «صفقة» مع المؤسسة الرسمية، معتبراً أن الموضوع يتمحور حول أبعاد قانونية وسياسية.

ويتفق الباحث والمتخصص في الجماعات الاسلامية حسن أبو هنية مع هذا الرأي، إذ يفرق في حديث إلى «السفير»، بين الصفقة المتكاملة وبين الصفقة الموضوعية، وبرأيه فإن القضاء الأردني لم يبرئ الرجل ليقوم بدور ما، خصوصاً أن الأدلة لم تكن كافية لإدانته، وإن كان ثمة تقاطع مصالح على الارض بين النظام وأبي قتادة، انطلاقاً من رغبة النظام في استثمار الانقسام الذي بدأ منذ قرابة العامين بين أنصار تنظيم «داعش» وأنصار «جبهة النصرة» في الاردن، بكون أبي محمد المقدسي وأبي قتادة الفلسطيني لم يتوقفا عن إعلان انحيازهما لـ«جبهة النصرة».

ويكمل أبو هنية مدللاً على صحة ما ذهب إليه «لا توجد صفقة متكاملة بدليل أن القياديين، المقدسي وابا قتادة، انتقدا التحالف ضد داعش وجبهة النصرة ونعتاه بالهجمة الصليبية التي تستهدف الاسلام»، وهو انتقاد واضح وصريح لمشاركة الأردن في التحالف الدولي.

يذكر أن أبا محمد المقدسي وأبا قتادة الفلسطيني كانا ضمن القيادات السلفية التي وقعت تأييداً لمبادرة «جبهة أنصار الدين» الداعية إلى إيقاف القتال بين الفصائل («داعش» و«النصرة»)، والاتفاق على هدنة لما بعد عيد الأضحى. ووصفت المبادرة في نصها التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش»، والذي اصبح الأردن جزءاً منه، بأنه «هجمة صليبية ليس على إخواننا المسلمين في الشام والعراق بل على عموم أهل الإسلام وعلى الإسلام نفسه».

ولعل هذا الامر يظهر الحيز الضيق الذي يتحرك فيه النظام الأردني، ما يدفع أبو هنية إلى وصف المقاربة الأمنية بإطلاق سراح أبي قتادة والمقدسي باللعبة غير معروفة النتائج، موضحاً «في كل الأحوال كان يتوجب إطلاق سراح أبي قتادة، الذي كان من الممكن أن تعود السلطات الأردنية وتعتقله، بعد تحقق براءته، استناداً إلى بنود قانون مكافحة الإرهاب بحجة التحريض ضد أمن الأردن». لكن ما يجعل خيارات السلطات محدودة هو أن اعتقال أبي قتادة والمقدسي مرة أخرى أو إبقاءهما في السجن سيعد رسالة واضحة لاعضاء التيار السلفي كافة في الأردن بأن السلطات تضع الأقل تشدداً (المقدسي وأبو قتادة) والاكثر تشدداً (أنصار «داعش») في سلة واحدة، وهذا سيدفع سلفيين كثراً للانحياز إلى التيار المتشدد.

وبرغم ذلك، فإن معظم الخبراء والباحثين يعتقدون أن أكثر أعضاء التيار الجهادي الأردني يؤيدون تنظيم «داعش»، وأن ضربات التحالف الدولي ستزيد من نسبة تأييد المتشددين لـ«الدولة الإسلامية»، لا بل إنها ستجبر الأقل تشدداً (مؤيدو «جبهة النصرة» للانحياز الى مؤيدي «داعش»)، ما يعني أن النظام الأردني لا يملك ترف الاختيار.

اعتقالات أعضاء التيار السلفي

أطلق الأردن سراح أهم منظرَيْن في التيار السلفي الجهادي (المقدسي وأبو قتادة)، ولكن في المقابل كانت هناك حملة اعتقالات لأعضاء من التيار السلفي الجهادي، سبقت الضربة الجوية، وما زالت مستمرة، فكيف سيتم فهم هذا التناقض؟

«المسألة سهلة» يقول أبو هنية، فعمليات الاعتقال تشمل أعضاء التيار المؤيدين لـ«داعش»، وهؤلاء اذا لم يتعرضوا للاعتقال فهم قيد المراقبة الدائمة، باعتبار أن هذا التنظيم يرى الاردن جزءاً من أهدافه. ويُضاف إليهم السلفيون العائدون من سوريا وجميعهم ملاحق بشكل أساسي.

الأردن في النهاية يصنف السلفيين ولا يضعهم جميعاً في سلة واحدة، وأخطر السلفيين بالنسبة إلى النظام، بحسب أبو هنية، هم الأقرب إلى «داعش» ثم الأقرب إلى «جبهة النصرة»، وأخيراً السلفية الجهادية الدعوية العادية.

صمام حماية الأردن من الهجمات

لا يتخوّف الأردن على المدى القريب من مواجهة مع «داعش»، برغم الحضور العسكري للتنظيم المتشدّد على المنطقة الحدودية التي سيطر عليها عقب «غزوة الموصل»، لكن المخاوف الحقيقية لدى النظام والشعب على حد سواء تتمحور حول تكرار تفجيرات عمّان في العام 2005، وهنا يعتبر نواب ومختصون بأن المقاربة الأمنية المتلخصة باعتقال أنصار «داعش» أو اطلاق سراح ابي قتادة والمقدسي لن تكون كافية، وثمة مقاربة يتهرب السياسي الأردني من العودة إليها لحماية الأمن الداخلي، وهي تنفيذ مطالب الشعب الأردني منذ بداية «الربيع العربي»، والمتلخصة بالاصلاح السياسي والاقتصادي ومحاربة الفساد.

ويعتبر المختصون أن المقاربة الأمنية إنما هي إجراء وقائي قريب المدى، وتحديداً في ظل سلة الخيارات المحدودة أمام النظام في التعامل مع التيار السلفي الجهادي، وإذا كانت السلطات جادة في محاربة الإرهاب والسلفية الجهادية، فإن عليها القضاء على الظروف التي تدفع الشباب للانضواء تحت راية «داعش» و«جبهة النصرة»، وسابقاً تحت راية تنظيم «القاعدة».
وليس المختصون وحدهم من يؤيد هذا الرأي، بل إن ثمة برلمانيين يرون ذلك أمراً ضرورياً. وفي هذا الإطار، يؤكد النائب علي السنيد، في حديث إلى «السفير»، أن المقاربة الأمنية من دون الإصلاح السياسي والاقتصادي ستفاقم الأزمة وستعزز التطرف.

بدوره، يعتبر أبو هنية أن أبجديات هذه الاستراتيجية البعيدة المدى تقوم على تعزيز المشاركة السياسية والديموقراطية وإدماج الاخوان المسلمين والتيارات السياسية المعتدلة في العملية السياسية، ومعالجة القضايا الاقتصادية الملحة مثل الفقر والبطالة ومحاربة الفساد.

يحمون الشعب بأحكام عرفية جديدة!

هل الأردن السياسي مستعد للالتزام باستراتيجية بعيدة المدى لحصار المد «الداعشي» على أراضيه؟
لا يعتقد السنيد ان النظام مستعد لذلك، بل على العكس هو يرى أن ثمة خططاً للافادة من الحرب على «داعش» لإعادة عقارب الاصلاح إلى الخلف، ويتحدث عن معلومات متوافرة لديه بأن ثمة خطوات جديدة للتضييق على الحياة العامة في الاردن، لشطب مرحلة «الربيع العربي» تماماً.

حملة الاعتقالات، وفق السنيد، لن تقتصر على أنصار «داعش» بل على المدى المنظور سيتم اعتقال ناشطين مستقلين، وهو ما ترجم سريعاً بتوقيف الناشط في حراك معان محمد فخري صلاح. وبرغم ارتباط اسم مدينة معان بالسلفية الجهادية، إلا أن اعتقال صلاح لم يكن في سياق اعتقال السلفيين، فهو غير منتم إلى التيار السلفي.

ولا يستبعد السنيد أن يتم تدبير هجمات في الأردن لتبرير مشاركة الجيش الاردني في عمليات برية ضد «داعش»، وذلك لكي يتقبل الرأي العام فكرة الانخراط في المخطط الأميركي حتى النهاية. ويكتفي السنيد بالاشارة الى الجهات التي قد تدبر هذه الهجمات بأنها راغبة في توريط الاردن أكثر وأكثر في سياسات الولايات المتحدة من دون أن يحدد إن كانت هذه الجهات خارجية أو داخلية. السبيل

قد يعجبك ايضا