رفض عارم في منطقة القبائل بالجزائر لمشروع الانفصالي فرحات مهني الذي يستعد لإعلان “الاستقلال” في باريس
حصادنيوز – تثير خطوة فرحات مهني، رئيس حركة الماك الانفصالية والمصنفة “إرهابية” في الجزائر، بإعلان ما يسميه “استقلال منطقة القبائل” يوم 14 ديسمبر، رفضًا عارمًا في هذه المنطقة الجزائرية التي كانت في طليعة مشروع التحرر الوطني من الاستعمار الفرنسي.
وفجّر مشروع فرحات مهني موجة واسعة من الإدانات من شخصيات سياسية ومؤرخين وناشطين في المجتمع المدني وجمعيات وفنانين، ممن اعتبروا الخطوة محاولة جديدة تهدف إلى ضرب وحدة البلاد وإقحام منطقة القبائل في مشروع لا يمثل أهلها ولا تاريخها.
ومن أبرز المواقف المؤثرة، ما كتبه نور الدين آيت حمودة، نجل الشهيد عميروش، والذي اختار نشر رسالة مفتوحة موجهة لفرحات مهني يعلن فيها قطيعته التامة به، بعد أربعة عقود من العلاقة التي جمعته به، من بدايتهما داخل الحركة الثقافية الأمازيغية وفي الدفاع عن حقوق الإنسان، مرورًا بالتجربة المشتركة في جمعية أبناء الشهداء، وصولًا إلى سنوات السجن والنضال السياسي داخل التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية.
وقال آيت حمودة إن الصداقة الطويلة التي جمعته بفرحات مهني تجعل هذا الموقف مؤلمًا لكنه ضروري. وخاطب مهني مستنكرًا: “كيف يمكن لمناضل كان يُقدَّم كـ“مجاهِد باللحن” أن يجرؤ على إعلان استقلال منطقة بأكملها من قلب العاصمة الفرنسية؟ وكيف يتنكر للتاريخ الذي صنعته القبائل منذ 1830، من الشيخ أَحَدّاد والمقراني وفاطمة نسومر إلى عميروش وعبان رمضان؟”.
وأكد آيت حمودة أن “الخط الفاصل تم تجاوزه نهائيًا سنة 2018” حين اتخذ مهني خطوة إعلان “الاستقلال المزعوم”، مضيفًا أن القبائل التي رفضت استسلام ديغول “لا يمكن أن تقبل استقلال الجبناء”. واعتبر أن سقوط مهني اكتمل حين ظهر في مظاهرات باريس وهو يلوّح بالعلم الإسرائيلي ويتلقى الدعم من أطراف أجنبية، بينها الكيان الصهيوني والمخزن واليمين الفرنسي المتطرف، وهي مشاهد قال إنها شكّلت “طعنة في ذاكرة المقاومة والكرامة التي حملتها القبائل عبر التاريخ”. وختم رسالته بحسرة واضحة: “إنه فراق بلا بغض، لكنه فراق حتمي”.
وجاء موقف رمضان يوسف تعزيبت، القيادي في حزب العمال والناشط المدافع عن الأمازيغية، ليعبر عن الرفض المطلق الذي تستشعره منطقة القبائل إزاء هذا المشروع. وقال تعزيبت، في بيان مطوّل، إنه “جزائري من منطقة القبائل” لم يفوّض أي أحد للتحدث باسمه أو باسم ملايين القبائل للمطالبة بانفصال المنطقة، مستعرضا مسارًا تاريخيًا طويلًا اعتبره جوهر الهوية الوطنية، من المقاومة الشعبية ضد الاستعمار منذ الأمير عبد القادر إلى فاطمة نسومر والمقراني والشيخ الحداد وبوزيان وأبطال الجنوب، وصولًا إلى الحركة الوطنية وثورة التحرير. وأكد أن وحدة الجزائريين، أمازيغ وعربًا، كانت السرّ الذي مكّنهم من هزيمة الاستعمار الذي حاول جيلًا بعد جيل تقسيمهم.
وشدد تعزيبت على أن محاولات الحركة الانفصالية “معزولة ومتكررة الفشل”، مستذكرًا كيف لفظها الجزائريون في قلب الحراك الشعبي سنة 2019، حين طرد أبناء القبائل أنفسهم أنصار الانفصال من المسيرات. وأضاف أن الحركة اليوم “أداة يمكن توظيفها من قبل قوى إمبريالية” للضغط على الجزائر أو ضرب سيادتها، خاصة مع تحالفاتها الغريبة وظهور قيادتها مع رموز صهيونية وإماراتية. واعتبر أن ما تستعد له الحركة يوم 14 ديسمبر “لا يجب الاستهانة به”، لكنه في الوقت نفسه “لن يغيّر شيئًا أمام نور التاريخ ووعي الجزائريين”.
وفي السياق ذاته، أصدرت تنسيقية زوايا تيزي وزو بيانًا شديد اللهجة، دعت فيه أبناء المنطقة إلى رفض ما وصفتها بـ“الدعوات المسمومة”. وقالت إن ما يروّج له فرحات مهني لا يمثل القبائل ولا يعكس هوية المنطقة، معتبرة الإعلان المرتقب “خيانة عظمى بحق الشعب والدولة”. وأضاف البيان أن الوعي الشعبي سيظل حاجزًا أمام محاولات “التحرش السياسي بالجزائر” وأن الظروف الإقليمية الحساسة تتطلب الالتفاف حول مؤسسات الدولة والدفاع عن الوحدة الوطنية باعتبارها “خطًا أحمر لا يُمس”.
ومن جانب المجتمع الثقافي، برز موقف الفنان القبائلي المعروف رابح عصمة، الذي تحوّل قبل أيام إلى حدث بارز بعد أن أوقف حفله في مدينة ليل الفرنسية فور رفع راية الانفصاليين بين الجمهور. وقال عصمة بصوت حازم: “انزعوا هذا العلم. تحيا الجزائر التي ضحى من أجلها رجال… لا أحد يمكنه تقسيم الجزائر”. وردّد أمام مئات الحاضرين شعار “وان، تو، ثري… فيفا لالجيري”، في مشهد اعتبره كثيرون “استفتاء شعبيًا” ضد الانفصال داخل الجالية الجزائرية في فرنسا.
واعتبر كثير من المتابعين أن ما قام به عصمة سابقة مهمّة لفنان قبائلي يرفض بشكل صريح استخدام فنه لتمرير مشروع تقسيمي. وتعزز هذا الاتجاه بتعليق المؤرخ محند أرزقي فراد، الذي قال إن حادثة طرد الانفصاليين من الحفل “تُعد بمثابة استفتاء شعبي ضرب الإسفين في نعش الانفصال قبل إعلان 14 ديسمبر”، مقدِّرًا الدور الذي لعبه المهاجرون في إظهار صورة الجزائري المتشبث بوحدة بلاده.
وعكست مجمل هذه الردود أن مشروع فرحات مهني يواجه جدارًا من الرفض داخل القبائل نفسها، من شخصيات سياسية وثقافية إلى المجتمع المدني والفنانين والمؤرخين. وتوحدت المواقف على التأكيد أن القبائل، بتاريخها العريق وحضورها المركزي في مسار بناء الدولة الجزائرية، لا يمكن أن تُختزل في خطاب انفصالي منعزل يتناقض مع ميراثها وتضحياتها عبر الأجيال.
وليست هذه المرة الأولى التي يتبرأ فيها مواطنو منطقة القبائل في الجزائر، من الانفصالي فرحات مهني. ففي أعقاب عملية طوفان الأقصى في تشرين الاول/أكتوبر 2023، أدينت مواقفه بشدة عندما ظهر في مسيرة داعمة لإسرائيل بباريس حيث يقيم، وهو يمسك علم حركته الانفصالية ويحمل بيده الأخرى علم إسرائيل. وصرح في ذلك الوقت على هامش المسيرة أنه أتى إلى هنا “من أجل دعم إسرائيل ضد الظلم الذي تتعرض له”، محرضا الأمم المتحدة على الجزائر التي قال إنها تمول هي وإيران هذه العمليات ضد إسرائيل.
وقوبل حديث فرحات مهني باستنكار شديد من أبناء منطقة القبائل. وكتب المؤرخ محند أرزقي فراد مدينا: “أنتمي إلى منطقة القبائل التي نشأ فيها أجدادي منذ قرون عديدة، وولدت فيها وترعرعت في أحضانها، وسقى والدي وأخي تربتها بدمائهما الزكية كغيرهم من شهداء الجزائر.. أقول هذا لأعلم الجمهور الواسع أن المغامر فرحات مهني لا يمثلني”. من جهته، كتب الصحافي محمد إيوانوغان مخاطبا مهني: “اترك منطقة القبائل بسلام. أنت تمثل عارا على القبائل”. وقال الصحافي في تدوينة له: “نعم فرحات مهني لا يمثل منطقة القبائل ولم تفوضه منطقة القبائل ليمثلها في أي شيء وفي أي مكان”.
ولا يخفي فرحات مهني الذي صدرت في حقه عدة أحكام غيابية بالمؤبد في الجزائر، علاقته مع إسرائيل التي قام بزيارتها وأعلن دعمها في عدة مرات سابقة. وبات هذا الشخص في الفترة الأخيرة، يلعب على وتر المواقف الجزائرية الدولية لمحاولة تأليب الغرب ضد الجزائر، مثلما فعله منذ سنوات بادعاء تقديم الجزائر الدعم لروسيا في حربها ضد أوكرانيا. ويحاول مشروعه التفرقة بين منطقة القبائل وبين الجزائريين، عبر اللعب على مسائل الهوية والانتماء الأمازيغي، على الرغم من أن الدستور الجزائري حسم المسألة باعتمادة الأمازيغية لغة وطنية ورسمية.