شجرة المهراس … سلالة الزيتون الأردني تعيد رسم خريطة الإرث العالمي

14٬326

 

حصادنيوز –  تفتح شجرة المهراس بابا واسعا لإعادة قراءة تاريخ الزيتون في الأردن، ليس بوصفها مجرد شجرة معمرة تقف على تلال عجلون وجرش واربد منذ آلاف السنين، بل بوصفها أصلا جينيا مركزيا لصنف الزيتون الذي انتشر نحو العالم من الشرق إلى الغرب.
ومع تسارع الجهود الرسمية والعلمية سجلت ضمن الإرث الثقافي والطبيعي الأردني ودفعها نحو الإدراج على القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لدى اليونسكو، لتكشف حقائق جديدة تعزز مكانتها كواحدة من أقدم السلالات الزيتونية في حوض المتوسط.
هذه المكانة التاريخية والوراثية عززها العمل العلمي المتقدم لفرق البحث الأردنية، التي أكدت أن زيتون المهراس ليس مجرد شاهد على حضارات متعاقبة، بل “سلالة مؤسسة” لزيتون انتشر لاحقا في إيطاليا وإسبانيا واليونان وقبرص.
وفي تصريح خاص لوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، أكد رئيس الفريق البحثي والمدير السابق للمركز الوطني للبحوث الزراعية الدكتور نزار حداد، إن التحاليل الجينية الموسعة التي أجراها المركز بالتعاون مع جامعات أردنية، تؤكد أن الأردن يعد أحد المراكز المركزية لنشوء الزيتون عبر العصور، حيث أثبتت الخرائط الوراثية أن زيتون المهراس في منطقة الميسر الهاشمية في عجلون يمثل واحدة من أقدم السلالات في حوض المتوسط وهو الأقرب وراثيا ليكون الأصل لزيتون إسبانيا وإيطاليا وقبرص.
وأشار الى أن هذا المشروع جاء ضمن خطة وطنية قادها المركز الوطني لتوثيق الخرائط الجينية لعدد من النباتات والحيوانات المزرعية، حيث سبق للمركز أن نشر الخريطة الوراثية للنحل البلدي وسجل الشيفرة الوراثية لسلالات أغنام العواسي الأردنية.
وأوضح الحديد، أن سبب اختيار اسم “المهراس” على الشجرة بدلا من “الرومي”، هو الموروث الثقافي في عجلون يميز بين أحجام الأشجار، (العود) للشجرة الصغيرة و(القرعود) للمتوسطة، أما (المهراس) فهي الزيتونة الضخمة التي لا يمكن لثلاثة رجال تطويق جذعها والبنك العالمي للجينات يشترط وجود اسم محلي مميز لكل جينوم، لذلك تم اعتماد اسم المهراس.
من جهتهما، أكد مدير مديرية بحوث البستنة في المركز الوطني للبحوث الزراعية المهندس رائد لطفي أحمد، وأستاذ التقنيات الحيوية في كلية الزراعة بالجامعة الأردنية الدكتور منذر الصدر، أن نتائج الدراسات الحديثة، إلى جانب الأبحاث الغربية، تكشف بصورة قاطعة عن جذور شجرة المهراس الأردنية ودورها المحوري في نشوء وانتشار الزيتون في حوض البحر المتوسط عبر آلاف السنين.
وأوضحا أن القرائن العلمية، منها تحاليل التاريخ الكربوني من مواقع أثرية في وادي الريان شمالا، وتليلات الغسول ووادي الأردن وسطا، وهضيب الريح في وادي رم جنوبا، تؤكد أن زراعة الزيتون واستخراج زيته على نطاق تجاري وصناعي بدأت في الأردن قبل نحو 5400 سنة قبل الميلاد، وهو ما يعد من أقدم الشواهد على هذه الصناعة في العالم. كما بينت الأبحاث الغربية أن الزيتون انتقل من موطنه الأصلي شرق المتوسط نحو اليونان وغرب تركيا، ومنها إلى إيطاليا وإسبانيا، في مسار حضاري طويل كانت فيه شجرة المهراس أحد أصوله الرئيسة.
وأشارا إلى أن الأشجار الرومانية التاريخية المنتشرة في قرى عجلون وإربد والبلقاء وجرش والطفيلة ما تزال شاهدة على عمق هذه الزراعة في الأردن وتشكل اليوم ما بين 15–20 بالمئة من المساحات المزروعة بالزيتون، في دليل إضافي على الامتداد الحضاري العريق لهذه الشجرة.
وأكد الخبيران، أن “البصمة الوراثية الموسعة” التي تم أجراؤها كشفت أن المهراس يمثل أصلا وراثيا مهما لعدد من أشهر أصناف الزيتون في إسبانيا وإيطاليا وقبرص وأن خريطته الجينية من أقدم السلالات وأكثرها تنوعا في شرق المتوسط. كما أظهرت التحاليل أن المهراس يتمتع بتنوع وراثي غني وقدرة كبيرة على التكيف مع البيئات القاسية والتغيرات المناخية، مع احتفاظه بجودة زيت مرتفعة.
وأشارا الى أن وجود المهراس يتركز اليوم في قرى شمال الأردن، خصوصا في جرش وعجلون وإربد، حيث أثبتت دراسة ميدانية حديثة وجود اختلافات دقيقة بين أشجاره في هذه المحافظات، ما يجعل الحفاظ على هذا التنوع حاجة علمية وثقافية. وفي منطقة الميسر في بلدة الهاشمية بعجلون، تعد أشجار المهراس من أقدم السلالات الجينية المكتشفة، فيما تشير التسمية الشعبية “المهراس” إلى الأشجار ذات محيط الجذع الذي يتجاوز ثلاثة أمتار.
وقالا: إن ثمار المهراس تتميز بنسب زيت هي من الأعلى عالميا تصل إلى 30 بالمئة وبمحتوى مرتفع من حمض الأولييك يصل إلى 70 بالمئة، إضافة إلى نكهة فاكهية وخصائص حسية تجعل زيت المهراس واحدا من الزيوت عالية الجودة.
وأشارا إلى أن إطلاق الطابع البريدي لعام 2023 بعنوان “شجر زيتون المهراس البلدي المعمر” يؤكد القيمة التراثية والوراثية لهذه الشجرة العريقة ودورها الفريد في تاريخ الزيتون عالميا.
بدوره، لفت خبير الزيتون وعضو الدكتور سلام أيوب، الى وجود معاصر حجرية قديمة كانت تستخدم لعصر ثمار الزيتون في العصر الروماني، ما يعكس الأهمية التاريخية العميقة لزراعة الزيتون في الأردن.
وقال، إن الأردن يعد من أقدم مناطق زراعة الزيتون في العالم، مستندا إلى نتائج تقارير محلية وعالمية واكتشافات أثرية في قرية هضيب الريح في وادي رم جنوب المملكة، التي كشفت عن مواقد يعود تاريخها إلى العصر النحاسي حوالي 5400 قبل الميلاد، أي قبل تاريخ أقدم زراعة للزيتون في العالم المعروف حتى الآن والبالغ 4200 قبل الميلاد.
وأضاف إن أشجار المهراس تنتشر في محافظات عجلون (خاصة الهاشمية وخربة الوهادنة) واربد والبلقاء وجرش والطفيلة والكرك، حيث توفر البيئة المناسبة من حيث الأمطار وموارد الري والتربة الخصبة والارتفاع عن سطح البحر وتتحمل هذه الأشجار ظروف الجفاف وقلة الأمطار ومقاومة الآفات والأمراض، ما يجعلها شاهدة على الحضارات والأجيال التي تعاقبت على المنطقة، كما تقدر مساحة أشجار الزيتون الرومانية التاريخية في الأردن بحوالي 15-20 بالمئة من المساحة المزروعة بأشجار الزيتون.
وأكد الدكتور أيوب، أن الحفاظ على هذه الأشجار يتطلب سلسلة من الإجراءات، تشمل، توصيف وحفظ صنف المهراس في مجمعات وراثية وإكثاره ونشر زراعته بين المزارعين ودراسة عمر الأشجار في جميع مناطق انتشارها وتطبيق الممارسات الزراعية الجيدة لتعزيز الإنتاجية، بما يشمل الري والتسميد والتقليم ومكافحة الآفات، وربط زراعة المهراس بالتنمية السياحية والاقتصاد الأخضر والتنمية الريفية وتسجيل زيت الزيتون الناتج عن أشجار المهراس كمؤشر جغرافي لضمان جودة المنتج وتسويقه محليا وعالميا وتفعيل التعليمات الخاصة بعدم نقل أو بيع الأشجار المعمرة والحد من الزحف العمراني وإنشاء آبار وحماية التربة من الانجراف.
وبين أن هذه الإجراءات تمثل خطوة أساسية للحفاظ على إرث الزيتون الأردني التاريخي وضمان استدامة إنتاج زيت عالي الجودة يمكن أن يشهد تسويقا عالميا متميزا.
وأكد الخبراء أن إدراج المهراس ضمن “قوائم اليونسكو” يمثل فرصة لحماية هذا الأصل الوراثي الفريد وتعزيز مكانته عالميا، مبينين أن هذه الخطوة لن تكون رمزية فقط، بل ستنعكس على الاقتصاد الأردني من خلال رفع قيمة زيت المهراس عالميا.

قد يعجبك ايضا