الطريق نحو الدولة المنبوذة: شعور متزايد لدى الإسرائيليين بأن حرب غزة عزلتهم ومظاهر المقاطعة بدأت في قطاع التكنولوجيا
حصادنيوز – نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا أعده نيري زيبلر، قال فيه إن الإسرائيليين يواجهون عزلة عالمية متزايدة، وأن رد الفعل العنيف على حرب غزة يثير مخاوف الإسرائيليين المسافرين ورجال الأعمال من أن بلادهم تسير نحو وضعية الدولة المنبوذة.
وأشار التقرير إلى المحاولة في هذا الصيف لمنع سفينة سياحية إسرائيلية على متنها 1,600 راكب من الاقتراب من جزيرة سيروس اليونانية، فقد تجمع مئات السكان المحليين عند الميناء القديم للجزيرة اليونانية الآسرة بجمالها، مرددين هتافات “فلسطين حرة” ومحتجين على اقتراب السفينة القادمة من حيفا وأعيد توجيهها نحو قبرص لأسباب أمنية.
وقد دفع هذا الحادث العديد من الإسرائيليين إلى التساؤل: “إذا لم يعد بإمكانهم الشعور بالترحيب في اليونان، التي تعتبر بلا شك الوجهة السياحية الأكثر شعبية في إسرائيل، والتي تربطها بها علاقات دبلوماسية وعسكرية وثقافية عميقة بها، فماذا بقي لهم؟”.
وبعد مرور ما يقرب من عامين على الانتقام الإسرائيلي المدمر من غزة بسبب هجمات حماس في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، أصبح الاتجاه في معظم أنحاء العالم واضحا: تتعرض إسرائيل للانتقاد والعقوبات والعزلة بشكل متزايد، كل ذلك في حين ينمو الدعم بين الحلفاء الغربيين للاعتراف بدولة فلسطينية.
وقد لجأ المعلقون الإسرائيليون إلى وصف موجة الاستهجان بأنها “تسونامي دبلوماسي”، بعد خطاب ألقاه وزير الدفاع آنذاك إيهود باراك عام 2011 حذر فيه من أن غياب عملية سلام مع الفلسطينيين سيحول إسرائيل إلى دولة منبوذة و”يدفع إسرائيل إلى الزاوية التي بدأ منها تدهور جنوب إفريقيا”، أي نظام الفصل العنصري.
ونقلت الصحيفة عن جيريمي إيسخاروف، وهو دبلوماسي إسرائيلي كبير متقاعد شغل منصب سفير لدى ألمانيا، قوله: “لا أتذكر وضعا كان حرجا جدا من حيث مكانتنا الدولية والهجمات على شرعيتنا والانتقادات الموجهة للحكومة، بما في ذلك في الولايات المتحدة. وبعض أفضل أصدقائنا يرسلون لنا إشارات سلبية للغاية”.
وتضيف الصحيفة أنه مع ارتفاع عدد القتلى ووصول قطاع غزة إلى حافة المجاعة بسبب القيود الإسرائيلية على المساعدات الإنسانية، اشتدت الإدانة العالمية للحرب التي تشنها إسرائيل، وبخاصة بعد تعهد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأسبوع الماضي بتوسيع الحملة و”إنهاء المهمة” هناك، مما أثار المزيد من تدقيق الحلفاء.
فقد أعلن المستشار الألماني فريدريش ميرتس أن الرد العسكري الإسرائيلي “لم يعد مبررا”، بينما انتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون التصعيد الإسرائيلي المخطط له، ووصفه بأنه “كارثة على وشك الحدوث”. وأعربت أكثر من 12 دولة، بما فيها بريطانيا وفرنسا وكندا وأستراليا، عن نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية بحلول الشهر المقبل في اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك.
واتهم عدد متزايد من النقاد الدوليين الشرسين إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية، بينما يخضع نتنياهو نفسه منذ تشرين الثاني/نوفمبر لمذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة “ارتكاب جرائم ضد الإنسانية”.
وقال مسؤول إسرائيلي كبير سابق، إن الرأي العام الإسرائيلي “يدرك أن هذا الوضع أعمق وأوسع نطاقا وأكثر خطورة من أي وقت مضى”، مضيفا أن الضغط الدولي المتزايد “تجاوز الحدود”.
وازدادت عمليات حظر الأسلحة المفروضة على إسرائيل طوال الحرب، حيث علقت ألمانيا، وهي مصدّر رئيسي للأسلحة، ويعود دعمها القوي لإسرائيل إلى الهولوكوست، الأسبوع الماضي شحنات الأسلحة التي من الممكن استخدامها في غزة.
وأعلن صندوق النفط النرويجي، الذي تبلغ قيمته تريليوني دولار أمريكي، وهو أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم، هذا الأسبوع أنه باع خمس استثماراته في إسرائيل وقطع علاقاته مع مديري الصناديق الإسرائيليين ردا على الحرب.
وقال رئيس الوزراء النرويجي، يوناس غار ستور، في بودكاست: “المأساة الحالية هي تضرر سمعة إسرائيل في دول لطالما تعاطفت معها”. وأضاف: “سيكون لذلك تأثير مع مرور الوقت، وأعتقد أنه سيكون دراماتيكيا جدا على إسرائيل”.
وتقول الصحيفة إن الأزمة الاقتصادية بدأت تظهر بالفعل في قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي، وبخاصة من المستثمرين الأوروبيين، وفقا لرسائل خاصة اطلعت عليها صحيفة “فايننشال تايمز” في منتدى إلكتروني يضم مئات من المستثمرين الإسرائيليين واليهود. وجاء في إحدى الرسائل من شريك محدود: “إن فكرة الاستثمار في دولة تمنع بشكل مباشر تدفق المساعدات الضرورية [إلى غزة] أمر نكافحه لأسباب أخلاقية”. ونقل مدير صندوق آخر: “إسرائيل غير مرغوب بها في الدنمارك”.
وقال أمير ميزروش، مستشار الاتصالات العالمية المقيم في تل أبيب، إن كبار رجال الأعمال الإسرائيليين “يشعرون وكأنهم أصبحوا روسيا دون العقوبات الرسمية”. وأضاف ميزروش أن الأموال الأوروبية وإن كانت تمثل جزءا ضئيلا من الاستثمار الأمريكي، فإن القلق الأكبر يكمن في احتمال تضرر التعاون البحثي والأكاديمي المشترك في مجالات مثل أشباه الموصلات وتصميم الرقائق، ومن خلال برنامج “هورايزون” لتمويل العلوم التابع للاتحاد الأوروبي. وقد فشلت محاولات استبعاد إسرائيل من البرنامج، وكذلك اتفاقية الشراكة الأوسع مع الاتحاد الأوروبي، بسبب معارضة حكومات، منها ألمانيا والمجر. لكن لا يزال من غير الواضح إلى متى سيصمد هذا الوضع، خاصة إذا اتسع نطاق حرب غزة.
وقالت الصحيفة إن الدعم في الولايات المتحدة -الحليف الأقوى لإسرائيل- قد تراجع وبخاصة بين الديمقراطيين والمستقلين.
فقد أظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة غالوب الشهر الماضي، أن 32% فقط من الجمهور يدعمون العملية العسكرية الإسرائيلية في غزة. ومع ذلك، يبدو أن دعم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يتضاءل حتى الآن، على الرغم من بوادر الانشقاق داخل جناح “ماغا” أو لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى، في الحزب الجمهوري.
وباستثناء أي تغيير جذري في موقف ترامب، يبدو أن حكومة نتنياهو غير مهتمة بالضجيج العالمي. وقد صوّر الوزراء الإسرائيليون الاعتراف بالدولة الفلسطينية على أنه “مكافأة” لحماس، مشيرين إلى أن القادة الأوروبيين قد “استسلموا” للضغوط الداخلية من وسائل الإعلام والجماعات اليسارية و”أقلياتهم المسلمة”.
وقال نتنياهو يوم الأحد: “سننتصر في الحرب، بدعم من الآخرين أو بدونه”، مضيفا أنه أبلغ القادة الأوروبيين أن ضغوطهم السياسية الداخلية “مشكلتكم، وليست مشكلتنا”. حتى المسؤول السابق، وهو منتقد لحكومة نتنياهو، جادل بأن الأدوات التي اختارتها الحكومات الأجنبية للضغط على إسرائيل كانت خاطئة، وخاصة الاعتراف بدولة فلسطينية، وهو أمر “سيكون رد فعل حتى المعتدلين من الإسرائيليين عليه سلبيا بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر”. وأضاف: “غالبية الجمهور الإسرائيلي تعتقد بالفعل أن الحرب يجب أن تنتهي، ولسنا بحاجة إلى أصدقائنا في الخارج ليخبرونا بذلك”، يجب “الضغط على حكومة إسرائيل، وليس على الجمهور الإسرائيلي”.
وفي حين أن هذه الخطوات لم تؤثر فعليا على الحياة اليومية في إسرائيل، فقد امتلأت وسائل الإعلام الإسرائيلية خلال الشهر الماضي بتقارير عن جنود سابقين في الجيش يُلاحَقون بتهمة ارتكاب جرائم حرب عند زيارتهم لأمريكا اللاتينية وأوروبا، وعن تخريب مطاعم إسرائيلية في سيدني وبرلين. كما حُذف اسم منسق موسيقى إسرائيلي من قائمة المشاركين في مهرجان موسيقي بلجيكي بسبب “مخاوف أمنية” غامضة، وتعرض المصطافون للاعتداء في أثينا، مما دفع السلطات الإسرائيلية إلى نصح المسافرين إلى الخارج بـ”التقليل” من إظهار جنسيتهم.
ويتمثل القلق بين المسؤولين الإسرائيليين الحاليين والسابقين في احتمال فرض عقوبات إضافية، مما يجبرهم على التفكير في مستقبل تمنع فيه إسرائيل من المشاركة في الفعاليات الدولية، وتخضع لحظر أوسع على الأسلحة، ويلغى السفر بدون تأشيرة.
وقال إيسخاروف، الدبلوماسي السابق: “هذه عملية يمكن أن تتفاقم في اتجاهات مختلفة.. نحن نعيش في عالم معولم. لا إنسان ولا دولة جزيرة معزولة”.