إندبندنت: استهداف الشريف هو اغتيال برعاية دولة تريد قتل الحقيقة والتغطية على أفعالها
حصادنيوز – نشرت صحيفة “إندبندنت” افتتاحية وضعت فيها صورة الصحافي الفلسطيني البارز أنس الشريف (1996-2025) الذي قُتل مع مجموعة من رفاقه الصحافيين في غارة استهدفت خيمتهم الصحافية ليلة الأحد.
وقالت في افتتاحيتها إن رعاية دولة لقتل الصحافيين هي وسيلة أخرى للحد من حرية التعبير.
وقالت إن اغتيال القوات الإسرائيلية مراسل “الجزيرة” وزملاءه تذكير مرعب بأن مسؤولية إخبار العالم عن الدمار والتكلفة البشرية تقع على عاتق المراسلين المحليين وحدهم عندما تمنع منظمات الأخبار الدولية من دخول منطقة حرب.
وأضافت أن حياة الشريف هي مثل حياة أي روح زهقت في الحرب، لكن اغتياله المستهدف، إلى جانب أربعة من موظفي “الجزيرة” الآخرين الذين لقوا حتفهم معه، يثير تساؤلات أكثر أهمية حول الطريقة التي أدارت بها إسرائيل الحرب.
كما أن استهداف الجيش الإسرائيلي لصحافي معتمد عمل في “الجزيرة” (وسابقًا في رويترز) هو تطور لا يمكن النظر إليه إلا بقدر من الرعب. فلم يكن موته من نوع الأضرار الجانبية الحتمية التي يمكن أن تحدث في أي حرب، بل بالأحرى، كان الشريف هدفًا لاغتيال برعاية الدولة.
وتزعم إسرائيل أن الشريف كان “إرهابيًا”، وينتمي إلى “حماس” وقائدًا لخلية فيها. وقدمت بعض “الأدلة”، لكن هذا لم يقنع المراقبين المستقلين الذين فحصوها، ويثير تساؤلًا حول سبب عدم نشرها في وقت أبكر، إن كانت مقنعة إلى هذا الحد.
ومن المؤكد أنها لا تقدم أي سبب قانوني لقتله، ناهيك عن قتل زملائه في قناة “الجزيرة”، المراسل محمد قريقع، والمصورين مؤمن عليوة وإبراهيم زاهر، ومساعدهم محمد نوفل، الذين لم يزعم الإسرائيليون أن لهم أي صلة بـ “حماس”.
وتعلّق الصحيفة: “الحقيقة، كما هي الكليشيه، هي أول ضحايا الحرب، والحقيقة هي أن إسرائيل، على غير العادة، منعت الصحافيين الدوليين من تغطية الصراع. وتقول السلطات الإسرائيلية إنه ليس من الآمن القيام بذلك، وهي مفارقة قاتمة بالنظر إلى مصير الشريف. ولكن هذا ليس من اختصاصهم الحكم عليه: بل هو أمر ينبغي أن يُترك للعديد من المؤسسات الإخبارية، بما في ذلك صحيفة إندبندنت، التي أرسلت بكل فخر صحافيين شجعان إلى مناطق أكثر خطورة على مدى عقود عديدة”.
علاوة على ذلك، أدت السياسة الإسرائيلية إلى استحالة رصد أفعال الجيش الإسرائيلي والإبلاغ عنها بشكل مستقل بالطريقة التقليدية.
والصور التي التقطت خلال رحلات المساعدات الأخيرة، والتي نشرتها صحيفة “إندبندنت” لأول مرة، تقدم صورة عن مكان بدائي قاحل مثل القمر، في مكان كانت فيه الأحياء تعج بالحياة والصخب وتنتشر فيه بساتين الزيتون.
وقد أعطت هذه الصور، إلى جانب تحقيقات الشريف وزملائه، للعالم فكرة عن الطريقة غير المتناسبة التي تتصرف بها إسرائيل. والنتيجة هي أن إسرائيل تتهم بارتكاب جرائم حرب من قبل المحكمة الجنائية الدولية، ويستخدم مصطلح “إبادة جماعية” بشكل متزايد في سياق حرمان سكان غزة من الغذاء والدواء.
وفي غياب الرقابة الدولية الكاملة، اضطر صحافيو غزة أنفسهم إلى تحمل مسؤولية أداء هذه المهمة الأساسية. ووضعوا أنفسهم طوعًا في مرمى النيران لإبلاغ العالم عن دمار قطاع غزة وخسائره البشرية
ولتقييم مدى النشاط الإرهابي ولتسليط الضوء على محنة الأسرى الذين لا تزال “حماس” تحتجزهم. وبارتدائهم سترات واقية وخوذات “صحافة”، كان ينبغي أن يحصلوا على الحماية المعتادة الممنوحة لجميع الصحافيين، ولكانوا حصلوا عليها لو كانوا أمريكيين أو سعوديين مثلًا. وتقول إن الغالبية العظمى من الصحافيين الـ232 تقريبًا الذين لقوا حتفهم في حرب غزة كانوا فلسطينيين، وهي إحصائية تكاد تتحدث عن نفسها. ويرى مشروع “ثمن الحرب” التابع لمعهد واتسون للشؤون الدولية والعامة أن عدد الصحافيين الذين قتلوا في غزة يفوق عدد القتلى في الحربين العالميتين وحرب فيتنام وحروب يوغوسلافيا، وحرب الولايات المتحدة في أفغانستان مجتمعة.
وأشارت الصحيفة إلى ما كتبه الكاتب الفلسطيني الذي يعيش بالمنفى، أحمد نجاد، في الصحيفة نفسها، من أن مقتل الشريف هجوم على الحقيقة نفسها.
وهذه الهجمات على حرية التعبير والفكر لا تقتصر، للأسف، على مناطق الحرب، وأشارت إلى اعتقال مئات المتظاهرين السلميين في لندن خلال عطلة نهاية الأسبوع، وكيف انتشرت آثار الحرب في غزة والنقاشات الحادة المحيطة بها في جميع أنحاء العالم، أو على الأقل، إلى تلك المناطق التي لا يزال فيها الاختلاف ممكنًا، وتظل الصحافة فيها غير خاضعة لسيطرة الدولة نسبيًا.
وقد يكون صحيحًا، كما يلمح وزراء الحكومة البريطانية بغموض، أن “بالستاين أكشن” عازمة على القيام بأنشطة يجهلها مؤيدوها، لكن هذا لا يبرر احتجاز كبار السن الذين لا ذنب لهم سوى حمل قطعة من الورق المقوّى عليها رسالة وممارسة حقهم في حرية التعبير.
وتقول إن دولة تسعى للحصول على دعم حلفائها في جميع أنحاء العالم لن تنجح في جذب الآخرين إلى قضيتها من خلال حرمان المراسلين الدوليين، بل وحكومات الدول الأخرى ومواطنيها، من الوصول إلى الحقيقة.
إذا رأت إسرائيل أن أفعالها مبرَّرة، فعليها أن تسمح بالتدقيق فيها بدقة، بما في ذلك تغطية الحرب التي يبدو أنها تنوي شنّها. وفي النهاية، لن يثير قتل الصحافيين سوى صدمة المجتمع الدولي. وعلى بنيامين نتنياهو أن يتذكر هذا.