عشرات الآلاف بلا جنسية كويتية بين ليلة وضحاها
حصادنيوز – اكتشفت لمى فجأة أنها لم تعد كويتية حينما دخلت صالة رياضية في مدينة الكويت وهمّت بدفع رسوم الجلسة، لتُصدم بأن بطاقتها الائتمانية أوقِفت، وحسابها البنكي جُمّد مؤقتًا، بسبب إسقاط جنسيتها المكتسبة عن طريق الزواج.
تقول لمى، التي طلبت على غرار باقي النساء اللواتي تحدثن إلى وكالة فرانس برس استخدام اسم مستعار لتفادي أية مشاكل مع السلطات الكويتية، إنها “كانت صدمة”.
وأضافت الخمسينية، الأردنية الأصل: “أن تكون مواطنًا ملتزمًا بالقانون طيلة 23 عامًا، ثم تستيقظ يومًا ما وتكتشف أنك لم تعد كذلك.. هذا غير مقبول إطلاقًا”.
صُوّرت عمليات سحب الجنسية جماعيًا على أنها جزء من حملة إصلاحات يقودها أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، الذي أعلن حلّ مجلس الأمة وتعليق العمل ببعض مواد الدستور، بعد بضعة أشهر من تسلّمه السلطة في كانون الأول/ديسمبر 2023.
ويبدو أن سياسة الجنسية الأخيرة التي انتهجها الأمير تهدف إلى حصر الجنسية لمن ورثوها أبًا عن جد في الدولة الصغيرة الغنية بالنفط، وإعادة تشكيل الهوية الكويتية، وربما أيضًا تقليص عدد الناخبين، بعد سنوات من عدم الاستقرار السياسي، بحسب ما أفاد محللون لـ”فرانس برس”.
وفي خطاب متلفز، في آذار/مارس، موجّه لسكان البلاد، الذين لا يتجاوز عددهم خمسة ملايين نسمة، ثلثهم فقط من الكويتيين، وَعَدَ الأمير بـ”تسليم الكويت لأهلها الأصليين، نظيفة، خالية من الشوائب التي علقت بها”.
وتُعد لمى واحدة من بين أكثر من 37 ألف شخص، بينهم 26 ألف امرأة على الأقل، سُحبت منهم جنسيتهم الكويتية، منذ آب/أغسطس، وفق تعداد أعدّته وكالة فرانس برس استنادًا إلى معطيات رسمية. وتشير تقارير إعلامية محلّية إلى أن العدد الحقيقي قد يكون أكبر بكثير.
ورغم أن عمليات سحب الجنسية ليست جديدة في الكويت، إلا أن “حجمها غير مسبوق”، بحسب أستاذ التاريخ المساعد في جامعة الكويت بدر السيف.
يوجد في الكويت فئة مهمّة من الأشخاص الذين لا يحملون الجنسية، ويُعرفون بـ”البدون”، ويُقدّر عددهم بمئة ألف شخص، وهم من حُرموا من الجنسية عند استقلال الكويت من الحماية البريطانية في العام 1961.
يلاحقون الأمهات
تلغي هذه الحملة التجنيس عن طريق الزواج، والذي كان ينطبق على النساء فقط. وهكذا، سُحبت الجنسية من جميع من أصبحن كويتيات عبر الزواج منذ العام 1987. وتشير أرقام لوزارة الداخلية إلى أن 38,505 نساء حصلن على الجنسية الكويتية بين 1993 و2020.
كما تستهدف الحملة حاملي الجنسية المزدوجة، بما أن الكويت لا تسمح بذلك، إضافة إلى الأشخاص الذين حصلوا وعائلاتهم على الجنسية بطرق غير قانونية، كاستخدام وثائق مزورة، على سبيل المثال.
وسحبت الكويت أيضًا جنسية العديد ممن حصلوا عليها تحت بند “الأعمال الجليلة” في المجتمع، ومن بينهم المطربة نوال الكويتية، والممثل داود حسين.
وقالت سيدة الأعمال أمل، التي حملت الجنسية الكويتية لما يقارب عقدين: “بين عشية وضحاها، أصبحتُ بلا جنسية”.
وهكذا، وجد كثيرون أنفسهم في مأزق قانوني وهم يكافحون لاستعادة جنسيتهم السابقة.
وقالت الباحثة في منظمة العفو الدولية، منصورة ميلز، لوكالة فرانس برس: “الحق في الجنسية حق إنساني أساسي للغاية، وعدم احترامه وضمانه قد يضرّ بحياة الناس، وهو أمر يدركه البدون جيدًا”.
ويرى محللون أن الحملة الأخيرة تتمحور حول مسألة الهوية الوطنية الكويتية.
ويرجع بدر السيف ما يحدث إلى “مفهوم الهوية”، متسائلًا: “من نحن كأمة؟”.
تعتمد الكويت على نظام برلماني عُرف بثقله وتأثيره، بخلاف عدد من دول الخليج، إلا أن نظام الجنسية المنضوي تحته يحصر الحقوق السياسية لمن وُلدوا لأب كويتي.
وفي أعقاب غزو العراق عام 1990، منحت الكويت حق الانتخاب لمن مضى على تجنيسهم 20 عامًا، ولمن وُلدوا بعد تجنيس والديهم.
ويرى السيف أن ذلك كان “عربون تقدير” للوقوف إلى جانب الكويت، لكنه أيضًا “دفع نحو الوحدة الوطنية بعد التحرير”.
ويبدو أن القيادة الكويتية الجديدة لديها “رؤية إقصائية للقومية الكويتية” تستبعد “من يفتقرون إلى جذور راسخة هناك”، من وجهة نظر الرئيس التنفيذي لمركز “غلف ستيت أناليتيكس”، جورجيو كافييرو.
وبالنسبة لميليسا لانغورثي، الباحثة من مركز “إنكلودوفيت”، والتي درست قضايا التجنيس في الخليج، فإن النساء المُجنّسات “يُقال لهن بوضوح إنهن لسن أمثل مُنتجات لهذه الأمة”.
وقالت لمى بأسف شديد: “لاحقونا نحن الأمهات، أساس الأسرة ونواة المجتمع… لم يأخذوا بعين الاعتبار أننا أمهات وجدّات أبناء هذا البلد”.
بريئات
في البداية، قُدّمت هذه الحملة على أنها مبادرة تستهدف المحتالين الذين يستغلون المزايا السخية التي تقدمها الكويت، ولهذا لاقت ترحيبًا أوليًا واسعًا. لكن سرعان ما انقلب الوضع.
وقال رجل كويتي سُحبت من زوجته الجنسية إن الحكومة “ساوت بين البريئات والمحتالات”.
وشرح، في حديثه لـ”فرانس برس”، أن المعاش التقاعدي لزوجته، التي كانت موظفة حكومية، مُعلّق منذ أكثر من ستة أشهر، مضيفًا أن قرضها المصرفي جُمّد.
وتساءل: “ما الرسالة من التحريض على العنصرية ومعاملتهن بشكل غير عادل؟”.
ووعدت السلطات بمعاملة تلك النساء معاملة المواطنات الكويتيات، والإبقاء على مزاياهن الاجتماعية، لكن المتضررات بقين في النهاية بلا جنسية، وفقدن كل حقوقهن السياسية.
وأشار أمير الكويت إلى المواجهات المستمرة بين النواب والحكومة المعيّنة من طرف العائلة الحاكمة عندما حلّ مجلس الأمة، والتي أعاقت الإصلاحات اللازمة لتنويع الاقتصاد، الذي اعتمد طويلاً على النفط.
ويقول كافييرو: “ربما تسعى القيادة الكويتية إلى تقليص عدد المواطنين بهدف تشكيل فئة ناخبة أصغر حجمًا وأكثر قابلية لإدارتها سياسيًا”.
(أ ف ب)- القدس العربي