عقب بث قناة لحوار مع مؤرخ “يطعن في الأمازيغية”.. التلفزيون الجزائري يهاجم الإمارات ويتوعد “بردّ الصاع صاعين”

9

 

حصادنيوز – هاجم التلفزيون الجزائري الرسمي بضراوة الإمارات العربية المتحدة، إثر بث قناة سكاي نيوز العربية الإماراتية، برنامجا استضاف المؤرخ الجزائري محمد الأمين بلغيث الذي زعم بأن الأمازيغية التي هي مكوّن للهوية الوطنية وفق الدستور الجزائري، “صنيعة صهيونية فرنسية”.

وذكر التلفزيون الجزائري في منشور له على صفحته على فيسبوك، أن هناك “تصعيدا إعلاميا خطيرا من دويلة الإمارات المصطنعة يتجاوز كل الخطوط الحمراء تجاه وحدة وهوية الشعب الجزائري”، مشيرا إلى أنه “استهداف خطير لثوابت الشعب الجزائري العريقة ومحاولة للتشكيك في أصولها وتاريخها العميق”.

وأضاف أن “تهجّم الإمارات على الجزائر ذات التاريخ المقاوم ليس سوى محاولة يائسة من كيانات هجينة تفتقر إلى الجذور والسيادة الحقيقية”، مبرزا أن “الإمارات تتحول إلى مصانع للفتنة وبث السموم الأيديولوجية مستغلة تاجر أيديولوجيا في سوق التاريخ”، في إشارة مباشرة للمؤرخ محمد الأمين بلغيث.

وأبرز المنشور أن “الجزائر التي دفعت ملايين الشهداء دفاعا عن وحدتها لا ترضخ للاستفزازات ولن تغفر المساس بثوابتها وبأسس هويتها وانتمائها”، لافتا إلى أن “التحريض الإعلامي الذي يمسّ هوية الشعب الجزائري لن يمرّ دون محاسبة أخلاقية وشعبية”.

ووصف التلفزيون الجزئري الرسمي “الطعن في وحدة الشعب الجزائري، بأنه ليس مجرد إساءة إعلامية بل عدوان يطال القيم والسيادة والمصير المشترك”، مؤكدا أنه “طعن يأتي فقط من أجل حصد المزيد من الولاء لمن يقضّ مضاجعهم استقرار الجزائر وتقدمها”. وأردف أن “الجزائر لن تقف باكية على أطلال ما قدمته للدويلة المصطنعة من دعم ونصرة لكنها وكما يفعل الشامخون ستردّ الصاع صاعين”.

وكان تصريح المؤرخ الجزائري محمد الأمين بلغيث، الذي قال فيه إن الأمازيغية “مشروع أيديولوجي فرنسي- صهيوني”، وإن أصل البربر يعود إلى “عرب فينيقيين”، قد أثار موجة واسعة من الاستياء وجدلا حادا في الأوساط السياسية والثقافية في الجزائر. ورأى كثيرون في هذه التصريحات مساسا مباشرا بأحد مقومات الهوية الوطنية الثلاثة، كما نصّ عليها الدستور الجزائري: الإسلام، والعروبة، والأمازيغية.

وجاءت تصريحات بلغيث خلال مقابلة مع قناة “سكاي نيوز عربية”، حين طلبت منه المذيعة وهي جزائرية توضيح آرائه المثيرة للجدل حول الهوية الأمازيغية، وما إذا كانت تلك المواقف تمثل طمسا لهوية شعب بأكمله. وردّ بالقول: “ليست هناك ثقافة. هذا مشروع أيديولوجي صهيوني فرنسي بامتياز. لا وجود لشيء اسمه أمازيغية، هناك بربر، وهم عرب قدماء وفق ما يدين به كبار المؤرخين في الشرق والغرب”.

وأضاف بلغيث أن “قضية الأمازيغية تُعد، بإجماع عقلاء ليبيا والجزائر والمغرب، مشروعا سياسيا هدفه تقويض وحدة المغرب العربي، خدمةً لمشروع فرنسي يسعى إلى فرض مغرب فرنكوفوني”. وختم حديثه بالقول: “نحن نعود في أصولنا إلى الفينيقيين الكنعانيين، وهذا هو السرّ بيننا وبين خصومنا في الداخل والخارج”.

وفور انتشار المقطع، واجه بلغيث موجة انتقادات حادة من نشطاء وباحثين وصحافيين، وصفوا تصريحاته بأنها استفزازية وتحمل خلفيات سياسية. وطالب عدد منهم بإحالته إلى التحقيق بتهمة التشكيك في الثوابت الوطنية، في مقارنة مع قضية الكاتب بوعلام صنصال، الذي يقبع حاليا في السجن بعد أن نُسبت إليه تصريحات اعتُبرت مسيئة للوحدة الترابية الجزائرية.

وتحدث البعض بأن بلغيث مارس “تحريضا عرقيا” على منصة إعلامية خليجية لها سوابق في استهداف السيادة الجزائرية، وهو ما اعتبره سلوكا يخرج من خانة حرية التعبير إلى خانة الطعن في وحدة الأمة. ونبّه المحامي هاشم ساسي إلى خطورة توقيت التصريحات ومكانها، مشيرًا إلى أن بث هذا الكلام على قناة إماراتية، وفي ظل الظروف الجيوسياسية الراهنة، يعطي الانطباع بأن ثمة “مسمار خيانة” يُدق من الداخل لتفكيك التماسك الوطني.

وفي السنوات الأخيرة، عادت أطروحة “الجذور الفينيقية” للجزائر، لتنتشر بغزارة عبر بعض الصفحات والأسماء المؤثرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك في سياق الجدل الهوياتي الذي يتكرر في كل مرة بصور مختلفة. ووجد البعض في هذه الأطروحة، تأكيدا للهوية العربية للبلاد، في مواجهة من يرون أن العرب وجدوا في الجزائر كغزاة، وهو كلام يتمّ ترديده في الأوساط المعادية للهوية العربية للبلاد.

ويعيد هذا الموقف الجديد للجزائر من الإمارات العلاقات إلى مربع الأزمة بعد أن شهدت تهدئة مؤقتة. وكان آخر اتصال بين الرئيسين عبد المجيد تبون ومحمد بن زايد آل نهيان خلال عيد الفطر الأخير، حيث اتفقا على “لقاء يجمعهما في أقرب الآجال.”

وكانت العلاقات بين الجزائر والإمارات، قد شهدت توترا شديدا خلال السنتين الماضيتين، بعد اتهام الجزائر لأبو ظبي بالقيام بأعمال عدائية ضدها في المنطقة، وإبدائها قلقا كبيرا من الدور الإماراتي في دفع الدول المجاورة للتطبيع الذي تعتبره الجزائر تهديدا مباشرا لها، وهو ما انعكس في حملات سياسية وإعلامية مركزة تحذر من الخطر الإماراتي.

وبعد أن ظل الحديث عن الإمارات محصورا في الإعلام، أُعطي في يناير/ كانون الثاني 2024، صبغة رسمية، بإصدار المجلس الأعلى للأمن في الجزائر، بيانا أبدى فيه أسفه لما قال إنها “تصرفات عدائية مسجلة ضد الجزائر، من طرف بلد عربي شقيق”، وهو ما فُهم مباشرة على أنه تحذير للإمارات.

وتلا ذلك في مارس/ آذار 2024، اتهام صريح من قبل الرئيس الجزائري للإمارات، بإشعال نار الفتنة في جوار الجزائر ومحيطها، قائلا: “في كل الأماكن التي فيها تناحر، دائما مال هذه الدولة موجود. في الجوار، مالي وليبيا والسودان. نحن لا نكنّ عداوة لأحد، لأننا محتاجون إلى الله عز وجل وإلى الجزائري والجزائرية. نتمنى أن نعيش سلميا مع الجميع ومن يتبلّى علينا فللصبر حدود”.

وكان أول كسر للجليد بين الرجلين، على هامش قمّة مجموعة السبع العالمية في روما في يونيو/ حزيران 2024، حيث ظهر الرئيسان الجزائري عبد المجيد تبون والإماراتي محمد بن زايد في حديث جانبي أثار اهتماما واسعا بالنظر لما سبقه من توتر.

قد يعجبك ايضا