أي رهانات لزيارة الدولة الأولى لإيمانويل ماكرون إلى المغرب؟
حصادنيوز – بهدف تجديد العلاقات بين البلدين بعد أزمة كبيرة استمرت ثلاث سنوات، يقوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اعتباراً من اليوم الإثنين وحتى الأربعاء، بزيارة دولة إلى المغرب، على رأس وفد رفيع يضم تسعة وزراء والعديد من رؤساء ومديري كبريات الشركات الفرنسية.
منذ وصوله إلى السلطة، سبق لماكرون أن زار المغرب مرتين: زيارة عمل عام 2017، قبل أن يعود عام 2018 ليفتتح مع العاهل المغربي محمد السادس خط القطار فائق السرعة طنجة- الدار البيضاء. لكن زيارة اليوم هي أول زيارة دولة له، وهي أيضا أول زيارة دولة يقوم بها رئيس فرنسي إلى المغرب منذ عام 2013 (فرانسوا هولاند).
من حيث التوقيت والسياق، تأتي هذه الزيارة في أعقاب الدعوة التي وجهها العاهل المغربي محمد السادس نهاية سبتمبر/ أيلول الماضي إلى الرئيس الفرنسي، بعد اعتبار الأخير في نهاية شهر يوليو/ تموز الماضي أنمستقبل منطقة الصحراء الغربية “ضمن إطار السيادة المغربية”، مستجيباً بذلك لضغوط الرباط على باريس، بعد اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على هذه المنطقة، وكذلك دعم إسبانيا للمقترح المغربي للحكم الذاتي للصحراء.
خطوة الرئيس الفرنسي، فتحت الطريق أمام تحسن العلاقات مع الرباط بعد أزمة عميقة استمرّت ثلاثة أعوام، بسبب جملة من القضايا التي قوضت العلاقة بين العاهل المغربي والرئيس الفرنسي، لا سيما في عام 2021، وشكوك ماكرون بشأن تورط أجهزة الأمن المغربية في التنصت على هاتفه في قضية بيغاسوس، وأيضا قرار باريس تقليص التأشيرات الممنوحة للمغرب للضغط على الرباط كي تقبل بعودة رعاياها المطرودين من فرنسا، أو سياسة التقارب مع الجزائر التي انتهجها الرئيس الفرنسي في السنوات الأخيرة، ناهيك عن انزعاج الرباط من موقف باريس حيال قضية الصحراء الغربية.
سيستقبل محمد السادس شخصيا ضيفه بالمطار على صوت 21 طلقة مدفع، قبل أن يعقدا اجتماعا مباشرا في القصر الملكي بالرباط، يليه توقيع اتفاقيات بشأن الطاقة والمياه والتعليم وحتى الأمن الداخلي. كما سيُقيم العاهل المغربي يوم الثلاثاء مأدبة عشاء رسمية على شرف الرئيس الفرنسي وزوجته. وفي اليوم نفسه، سيلقي ماكرون خطابا أمام البرلمان وسيحضر توقيع العقود خلال منتدى لريادة الأعمال. للتذكير، تعتبر فرنسا المستثمر الأجنبي الرائد في المغرب مع نحو ألف شركة.
قصر الإليزيه قال إن هذه الزيارة الرسمية يجب أن “تمثل الطموح الجديد للسنوات الثلاثين المقبلة من العلاقات الفرنسية المغربية”. ومن يقول الطموح يقول العقود الاقتصادية، حيث يسعى رؤساء ومديرو الشركات المغربية والفرنسية إلى إرساء أسس شراكة طموحة في عدة مجالات، بما في ذلك صناعة السيارات والطيران، في وقت يرغب المغرب بإنشاء قطاع صناعي للسكك الحديدية قادر على تلبية احتياجاته، وأبعد من ذلك احتياجات القارة الأفريقية، بينما يريد الفرنسيون الدخول في منافسة مباشرة مع الصينيين والإسبان في مجال الشراكة مع المغرب.
وفقا لمصادر متطابقة لوكالة فرانس برس، يمكن لشركة إيرباص هليكوبتر بيع ما بين 12 إلى 18 مروحية كراكال للقوات المسلحة المغربية بمناسبة هذه الزيارة. كما تعد المشاريع المتعلقة بتنظيم المغرب لمونديال كرة القدم عام 2030، محط اهتمام كبير من الشركات الفرنسية. كما يرغب البلدان أيضا في التعاون بالمجال الرقمي، بما في ذلك إنتاج ألعاب الفيديو.
وإذا كانت الاتفاقيات الاقتصادية تفرض نفسها على زيارة الدولة هذه للرئيس الفرنسي إلى المغرب، فإن موضوع الهجرة الذي يعد الأكثر إزعاجاً يبقى حاضراً في أجندتها. ويرافق ماكرون في هذه الرحلة وزيرُ الداخلية الفرنسي الجديد برونو روتايو، وهو من الصقور في مجال الهجرة، ويرغب على وجه الخصوص في جعل سياسة التأشيرة مشروطة بإصدار التصاريح القنصلية التي تسمح لفرنسا بإعادة الأجانب غير المرغوب فيهم على أراضيها إلى بلدهم الأصلي.
ففي بداية تشرين الأول/ أكتوبر، تحدث الوزير الفرنسي عن المغرب كمثال، مشيرا إلى أنه في عام 2023، تم منح 238 ألف تأشيرة لمواطنين مغاربة مقابل 1680 فقط إعادة قسرية إلى وطنهم. وقال للدول المعنية: “إذا لم تصدروا لنا المزيد من التصاريح القنصلية لطرد مواطنيكم الجانحين، فسنصدر من جانبنا تأشيرات أقل لجميع مواطنيكم”.
وهي إستراتيجية استخدمها بالفعل سلفه جيرالد دارمانان في خريف عام 2021، حيث قرر خفض التأشيرات للمغاربة والجزائريين والتونسيين إلى النصف، في قرار تسبب بتسميم العلاقات الدبلوماسية بين فرنسا والمغرب العربي. وندد المغرب بإجراء “غير مبرر”. واعتبرتها المنظمات غير الحكومية “مهينة”.
غير أن فرنسا تراجعت في ديسمبر/ كانون الأول عام 2022. وتوجهت رئيسة الدبلوماسية الفرنسية آنذاك كاترين كولونا إلى الرباط لتعلن شخصيا نهاية هذا الإجراء، في محاولة من باريس لإعادة التواصل مع الرباط.
ومع ذلك، يبدو أن المغرب مستعد لمزيد من المرونة والتسوية بشأن هذه القضية، بحسب مراقبين، مشيرين إلى تصريح وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، في أوائل أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، أن “المغرب مستعد لإعادة أي مهاجر غير نظامي يتم إثبات أنه مغربي وغادر الأراضي المغربية”. لكن الوزير المغربي شدد أيضا على أن الرباط “ليست بحاجة لتعلم الدروس” في مكافحة الهجرة غير الشرعية، مضيفا أنه “إذا لم يعد هؤلاء المهاجرون، فذلك بسبب عوائق من الطرف الآخر”، داعيا إلى معالجة “الثغرات في القوانين والإجراءات التي تخلق فجوة للمهاجرين”.
غير أنه وعلى الرغم من مدى حساسية موضوع الهجرة، إلا أن محللين ومراقبين يستبعدون أن يهز الديناميكية الجديدة بين البلدين، التي أحدثها دعم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الواضح لمخطط الحكم الذاتي للصحراء الغربية المقترح تحت السيادة المغربية.
ففي خطابه الأخير أمام البرلمان المغربي، أشاد الملك محمد السادس بالدعم الذي تقدمه العديد من “البلدان المؤثرة” وعلى رأسها فرنسا لمبادرة الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية. وعبّر عن شكره لفرنسا ورئيسها ماكرون، معتبرا أن هذا “التطور الإيجابي ينتصر للحق والشرعية، ويعترف بالحقوق التاريخية للمغرب”.