دعوات اقتحام سبتة.. الهجرة الجماعية معضلة تؤرق المغرب (تقرير)

16

 

– الباحث المغربي في قضايا الهجرة خالد منة: الهجرة الجماعية تدل على عجز المنظومة الاقتصادية والاجتماعية في احتواء الشباب
– مصطفى العباسي عضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان: لا بد من إيجاد حلول تربوية واقتصادية وثقافية، وليس أمنية 

 

حصادنيوز – يواصل الأمن المغربي منع عبور مئات المهاجرين إلى سبتة، منذ أيام، في أعقاب دعوات لاقتحام السياج الأمني نحو المدينة التابعة للإدارة الإسبانية في 15 سبتمبر/ أيلول الجاري، وهو ما جعل مدينة الفنيدق (شمال) المتاخمة للمنطقة تعيش حالة من “كر وفر” بين المهاجرين ورجال الأمن لمنعهم من التوجه إلى المعبر نحو سبتة.

وتعتبر محاولة الاقتحام هذه من أكبر العمليات خلال السنوات القليلة الماضية، إذ تضم أعدادا كبيرة من الشباب والقاصرين الراغبين في الهجرة غير النظامية، بالتزامن مع مطالب بفتح نقاش عمومي حول الظاهرة وإيجاد حلول قبل تعقد الأمر.

– بداية القصة

انتشرت دعوات على منصات التواصل الاجتماعي تدعو لاقتحام جماعي للسياج الأمني نحو سبتة في 15 سبتمبر.

ورداً على هذه الدعوات، أعلنت السلطات المغربية، الأربعاء، توقيف 60 شخصا للاشتباه في تحريضهم، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، على تنظيم عمليات هجرة غير نظامية.

وقالت المديرية العامة للأمن الوطني، عبر بيان آنذاك، إنها باشرت عمليات أمنية في مدينتي طنجة وتطوان (شمال) “لمكافحة المحتويات الرقمية التي تحرض على تنظيم الهجرة” غير النظامية.

وأضافت أن هذه العمليات أسفرت فيما بين 9 و11 سبتمبر الجاري عن “توقيف 60 شخصا بينهم قصر”.

ورغم هذه التوقيفات، إلا أن مئات الشباب قصدوا المعبر الحدودي الفاصل بين الفنيدق وسبتة، قبل منتصف سبتمبر.

وسبق أن سجل المغرب محاولات سابقة، خاصة من طرف مهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء.

وتبقى محاولة اقتحام مدينة مليلية شمالي البلاد، وهي أيضا تابعة للإدارة الإسبانية، في 24 يونيو/ حزيران 2022، الأكثر مأساوية إذ حاول نحو 2000 مهاجر أغلبهم من دول إفريقيا جنوب الصحراء والسودان، اقتحام سياج المدينة للعبور إلى أوروبا، ما أسفر عن مصرع 23 منهم وإصابة عشرات.

وقالت وزارة الداخلية، في بيان سابق، إنه “تم إحباط 11 ألف و323 محاولة للهجرة غير النظامية على مستوى إقليم المضيق (شمال)، و3325 محاولة على مستوى إقليم الناظور(شمال)، خلال شهر أغسطس/ آب الماضي، قام بها أشخاص من جنسيات مختلفة”.

وبحسب الباحث المغربي في قضايا الهجرة، خالد منة، فإنه عاين خلال الأيام القليلة الماضية، شبابا يأتون من مدن ومناطق أخرى إلى الفنيدق.

وفي حديث مع الأناضول، أوضح منة أن هذا التحرك تجاه الشمال جاء بسبب ما تم تداوله بمنصات التواصل الاجتماعي، مضيفا أن نحو 80 بالمائة من هؤلاء الشباب قدموا من مناطق بعيدة.

وأضاف أن هذه الهجرة الجماعية تدل على ما أسماه “عجز المنظومة الاقتصادية والاجتماعية في احتواء هؤلاء الشباب”.

ولفت إلى “مشكلة الاندماج الاجتماعي على مستوى الأسر، خاصة أن بعضها تدفع أبناءها إلى الهجرة، لأنها تعتبر أن وضعهم هناك سيكون أفضل من وضعهم في البلاد”.

وكانت الحكومة المغربية قالت في بيانات سابقة إنها تعمل جاهدة على إيجاد فرص عمل للشباب، وتطوير قطاع التعليم.

والسبت الماضي، قال رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، بمدينة أكادير (وسط) إن حكومته تعمل على إيجاد الحلول لمشكل البطالة.

وفي لقاء حزبي، أضاف أخنوش أن إشكالية البطالة تقلق في الوقت الراهن حكومته، التي تعمل على هذا الأمر بجدية، مشيراً إلى وجود دينامية اقتصادية إيجابية في بلاده.

وحمل مسؤولية ما وقع إلى “الأسرة والمدرسة والمسجد والحكومة والجمعيات التي لم تعد تقوم بأدوارها”، مضيفا أن المسؤولية “مشتركة”.

– اليوم الموعود

قبيل 15 سبتمبر، كانت مدينة الفنيدق مملوءة عن آخرها بالشباب والقصر الذين استجابوا لدعوات منصات التواصل الاجتماعي، في الوقت الذي عززت السلطات من التواجد الأمني.

وانخرط الشباب في محاولات العبور في شكل جماعات متخذين من الجبال نقطة الانطلاق لصعوبة صعود سيارات الأمن إلى هناك.

والسبت والأحد، أظهرت عدة مقاطع فيديو بثها ناشطون مغاربة ووسائل إعلام محلية، مطاردة قوات الأمن بمدينة الفنيدق، لهؤلاء الشباب.

وأظهرت مقاطع أخرى بثها ناشطون مغاربة، مطاردة قوات الأمن، لعدد من الشباب الراغبين في الهجرة غير النظامية إلى سبتة، بينما كان الشبان يرمون الشرطة بالحجارة.

ولا تزال مدينة الفنيدق تعيش حالة من “الكر والفر” بين هؤلاء المهاجرين ورجال الأمن، حيث تستمر الدعوات بمنصات التواصل الاجتماعي.

وتعمل السلطات على ترحيل الموقوفين بالحافلات إلى مدن أخرى، وقامت السلطات الأمنية بترحيل 2400 شخص من الساعين للهجرة غير النظامية خلال ثلاثة أيام، تم توقيفهم متوجهين نحو مدينة الفنيدق استعدادا للهجرة نحو سبتة.

وبحسب حقوقيين، فإن جزءا كبير من هؤلاء المهاجرين قصر، ما جعل الكثير من الأمهات تنخرط في البحث عن فلذات أكبادها.

وتخضع مدينتا مليلة وسبتة (شمالي المغرب)، إضافة إلى الجزر الجعفرية وأخرى صخرية بالبحر المتوسط لإدارة مدريد، فيما تعتبرها الرباط “ثغورا مغربية محتلة”.

– مطالب بإيجاد حلول

وصف مصطفى العباسي عضو اللجنة الجهوية لحقوق الإنسان بجهة الشمال (حكومية)، ما يقع على مدار الأيام القليلة الماضية، بـ”المشكلة الحقيقية، خاصة مع تكرار الدعوات للهجرة الجماعية، منهم أطفال وقاصرين، سواء عبر اقتحام السياجات أو السباحة نحو مدينة سبتة”.

وفي تصريح للأناضول، دعا العباسي الحكومة إلى إيجاد حل لهذه الظاهرة.

وقال في هذا الصدد، “هذا إشكال يجب أن تعالجه الحكومة معالجة حقيقية”.

واستدرك قائلا” هناك جهات تعمل في الخفاء وتحاول الترويج لهذا الأمر، وتجييش أطفال وقاصرين لأجل أهداف خاصة”.

وأوضح أن “هناك فكرة لدى الشباب حول الهجرة، كونها ستمنحهم حياة أفضل بحسب ما يعتقدون”، مؤكدا على ضرورة عمل المؤسسات في البلاد على تغيير هذه الفكرة.

ودعا العباسي إلى إطلاق نقاش حقيقي من أجل البحث عن حلول.

وبحسب المسؤول المغربي، فإن” ظاهرة الهجرة عموما هي مسألة موجودة شمال البلاد، ولكن يجب أن تكون هناك وقفة حقيقة، ومشاركة الجميع، سواء من طرف الحكومة عبر إطلاق مشاريع تنموية بمنطقة الشمال، وإدماج هؤلاء الشباب، بالإضافة إلى انخراط الأسرة، التي يجب أن تلعب دورها”.

وتساءل: كيف يمكن لقاصر في سن 10 سنوات أو 12 سنة أن يفكر في الهجرة؟”.

وتابع: “المكان الطبيعي للأطفال هو الأسرة والمدرسة، ويجب على الإعلام أن يفند الصورة الوردية التي ترسم عن أوروبا من طرف الشباب العربي”.

ودعا إلى إيجاد حلول، “لأن الأمر سيستمر وستتواصل الدعوات للهجرة، خاصة أنه رغم وجود القوات الأمنية هناك إصرار من طرف الشباب على العبور والهجرة”.

وشدد على ضرورة التوعية بمخاطر الهجرة، خاصة على مستوى الأطفال والقاصرين.

وأشار إلى ضرورة “إيجاد حلول تربوية واقتصادية وثقافية، وليس أمنية، خاصة أن هؤلاء الشباب ضحية مزدوجة، ضحية الجهل المركب التي تفرزه المؤسسات التربوية والتعليمية والثقافية، وضحية منصات التواصل الاجتماعي التي تقدم له أن الجهة الأخرى أفضل من البلاد”. على حد قوله.

وخلال مايو/ أيار الماضي، قال المجلس الاقتصادي والاجتماعي (رسمي) إن مليون ونصف شاب وشابة تتراوح أعمارهم بين 15 و24 سنة في المغرب عاطلون عن العمل.

وقال أحمد رضى الشامي، رئيس المجلس خلال تقديمه للدراسة بالرباط، إن عدد العاطلين بدون عمل ولا تعليم، يصل 4.3 مليون اذا تم اعتماد السن بين 15 و34 سنة، “وهو عدد كبير يطرح إشكالات تتعلق بالإقصاء والشعور بالإحباط، والتفكير في الهجرة، وتهديد التماسك الاجتماعي”، على حد تعبيره.

قد يعجبك ايضا