الحرفي التركي أرجان.. حكاية عشق وقلق على مستقبل فن “الكوندكاري” (تقرير)

42

 

** الحرفي التركي حسن أرجان للأناضول:
– أنجزت العديد من الأعمال المهمة عبر فن “الكوندكاري” أبرزها إعادة زخرفة المنبر الأصلي للجامع القبلي بالمسجد الأقصى
– أحاول نقل مهنتي للأجيال القادمة لكنني أجد صعوبة في العثور على متدربين، فالشبان لا يرغبون في
العمل بهذه الحرفة بسبب طبيعتها الشاقة

 

حصادنيوز – في قضاء بيقوز التابع لولاية إسطنبول، يجلس الحرفي التركي حسن أرجان في ورشته المتواضعة، فخورا بأعماله الإبداعية عبر فن “تعشيق الخشب” أو “الكوندكاري” وفنون أخرى مرتبطة به، خلال رحلة عمل طويلة امتدت نحو 4 عقود، متذكرا بصفة خاصة منبرا في المسجد الأقصى المبارك تولى زخرفته.

لكن حسن (64) عامًا، حسب ما قال للأناضول، يخشى أن تكون هذه الرحلة على وشك الانتهاء؛ فجيل الشباب يميل إلى التكنولوجيا، ولا يرغب في العمل بهذه الحرفة بسبب طبيعتها الشاقة والمليئة بالتحديات.

وتساءل بحزن: “هل ستندثر هذه الحرفة التي كانت تزين قصور الخلفاء وسادت المساجد؟ أم أن هناك أملًا أن يستعيد فن التعشيق بريقه ويجد من يحافظ عليه؟”.

يُعرف فن “تعشيق الخشب” بتركيا باسم “الكوندكاري”، وهو فن سلجوقي أثرى العمارة التركية الإسلامية على مدى قرون، ويقوم على تجميع مئات القطع الخشبية الصغيرة ذات الأشكال الهندسية دون استخدام الغراء أو المسامير.

وتتطلب هذه الحرفة مهارة عالية وتركيزا كبيرا وقد يستغرق إنجاز بعض الأعمال الفنية عبرها عدة أشهر.

** بداية التعرف على “الكوندكاري”

ولد أرجان بولاية سينوب المطلة على البحر الأسود شمال تركيا عام 1960، قبل أن ينتقل مع عائلته إلى قضاء بيقوز بإسطنبول عندما كان عمره 3 سنوات.

وفي بيقوز، تعرف أرجان على فن “الكوندكاري” وتشرب كل أسراره منذ نعومة أظفاره في ورشة جده علي، المعروف بلقب “كوك أوسطا” وكان نجارا ماهرا وموهوبا بفن “الكوندكاري”.

خلال مسيرته المهنية الحافلة التي امتدت زهاء 40 عاما، اهتم حسن بفنون عديدة أخرى مرتبطة بالأخشاب مثل فن المقرنصات، وهو نوع من الزخارف المعمارية الإسلامية المستخدمة أساسا في تزيين أسقف القباب والأروقة والمحاريب، وتتكون من مجموعة عناصر هندسية صغيرة ومتداخلة تشكل معا ما يشبه خلايا النحل أو الأقراص.

كما أبدع حسن في فنون الخط، والتذهيب، والرسم، والنحت، والزخرفة.

وترك بصمته في العديد من المشاريع المعمارية الهامة، وفي مقدمتها الزخرفة في المسجد الأقصى المبارك، ومسجد قباء في المدينة المنورة، ومسجد الفاتح التاريخي في إسطنبول.

إضافة إلى التركيز على مسيرته العملية، كان حسن حريصا على نقل أصول وأسرار فن “تعشيق الخشب” إلى ابنه عبد الوهاب، ليعمل الاثنان معا منذ سنوات على زخرفة الخشب والمحافظة على هذا الفن التاريخي من الاندثار.

** شغف مبكر

وعن رحلته مع هذه الحرفة الابداعية، قال حسن، للأناضول، إن شغفه بهذا الفن بدأ في سن مبكرة، حيث ظهرت موهبته في الرسم على الخشب خلال مرحلة التعليم الثانوية.

قرر حسن حينها أن يتبع خطى جده، فالتحق بورشة النجارة الخاصة به ليتعلم منه مهنة صناعة الأثاث.

ولفت إلى أنه واصل تطوير مهاراته عبر تلقي تدريب مهني على يد النجار التركي المهاجر من بلغاريا بكر يانيلماز.

وبعد أداء الخدمة العسكرية، توسع أفق حسن الفني بتعلّم فنون الخط العربي على يد الخطاط التركي الشهير حسن جلبي.

كانت نقطة التحول في حياة أرجان عندما كُلف بتزيين منبر مسجد بفن الـ”كوندكاري”.

نجاح هذا العمل فتح له أبوابا جديدة إذ أسس ورشته الخاصة، وبناء على نصيحة من الخطاط جلبي تخصص في زخرفة منابر المساجد بأسلوب “الكوندكاري”.

** العمل بالمسجد الأقصى

ولفت حسن إلى إنجازه أعمالا مهمة عبر فني الـ”كوندكاري” و”المقرنصات”، وكان أهمها إعادة زخرفة المنبر الأصلي للجامع القبلي من المسجد الأقصى المبارك بعد احتراقه بالكامل عام 1969 على يد الأسترالي مايكل دنيس روهان.

جاء هذا التكليف بناءً على دعوة من الحكومة الأردنية، واعتبره فرصة ذهبية لتحقيق حلم عمره بالعمل في هذا الصرح الإسلامي العظيم.

وتحدث عن سعادته الكبيرة بتحقيقه أمنيته في العمل بالمسجد الأقصى، واختياره لهذه المهمة بعد خوضه اختبارات استمرت 4 أيام.

وقال متذكرا تلك اللحظات: “عند استدعائي للاختبار شعرت بسعادة غامرة. قضيت 4 أيام في الاختبار، وقيل لي إنه إذا تمكنت من تنفيذ نموذج المقرنصات جيدا فسأحصل على المهمة. قمت بذلك خلال 10-11 يومًا، ثم عدت إلى تركيا واستُدعيت مجددا مع ابني عبد الوهاب ومساعدي”.

وأوضح حسن أن ما أنجزه في المسجد الأقصى كان من أجمل أعماله على الإطلاق، وأنه تعامل مع المشروع بوعي تام لقيمته التاريخية والدينية، كما فعل في مسجد قباء بالمدينة المنورة.

** أرى نفسي متدربا

أجرى حسن مقارنة بين الفنانين والحرفيين القدماء والجدد، مشيرا إلى شعوره بأنه ما زال متدربًا عند مقارنة نفسه بالفنانين القدامى الذين كانوا يعتمدون على أدوات بسيطة لإنجاز أعمالهم.

وأعرب عن إعجابه بالأعمال التي أبدعها الفنانون القدامى، وقال: “نحاول جاهدين أن نحقق شيئا مشابها، لكن ما زلنا نفتقر إلى المهارات التي امتلكها هؤلاء الفنانون”.

وشدد حسن على أهمية العمل بشغف وحب، وأعرب عن استيائه من افتقار الشباب الحاليين إلى الرغبة في العمل الفني.

واشتكى الاعتماد المتزايد على الآلة في فن “الكوندكاري”، فهذا الوضع أدى إلى تراجع الإبداع الفني، مشيرا إلى أنه لا يعتمد كثيرا على الرسم بالحاسوب، بل يعمل وفق قوالب وتصميمات يبتكرها.

ولفت الحرفي التركي إلى أن ابنه تفوق عليه بالدقة في أعمال النحت.

وقال: “أحاول نقل مهنتي للأجيال القادمة، لكنني أجد صعوبة في العثور على متدربين جدد، فالشبان لا يرغبون في العمل بهذه الحرفة بسبب طبيعتها الشاقة والمليئة بالتحديات”.

واختتم حسن حديثه قائلا: “فن الكوندكاري ليس مجرد مهنة بسيطة، بل فن راق، لكن قلما تجد من يمارسه”.

 

الاناظول

قد يعجبك ايضا