دمج اقتصاد الظل لتعظيم الفوائد.. ما السبيل؟

44

 

حصادنيوز –  بينما يستمر الاقتصاد غير الرسمي بالنمو من عام لآخر، يؤكد خبراء اقتصاديون أن هذه الظاهرة تشكل عبئا حقيقيا على الاقتصاد الوطني، لا سيما وأنها تنطوي على مخاطر اقتصادية وإجتماعية.وبحسب الخبراء، فإن الاقتصاد غير المنظم “اقتصاد الظل” يؤدي إلى أضرار بالغة بالاقتصاد المحلي، إذ تخسر خزينة الدولة إيرادات ضريبية كبيرة في ظل عدم قدرتها على التحصيل من النشاط الذي يمارس من خلاله ويحقق دخلا سنويا بملايين الدنانير دون أن يخضع لأي نوع من الضرائب.

ويشير الخبراء إلى أن ذلك يؤدي إلى خسارة فادحة بالنسبة للاقتصاد الوطني، إضافة إلى إيقاع الضرر بالقطاعات الإنتاجية والصناعية النظامية، فضلا عن تحميل الحكومة فاتورة الحماية الاجتماعية في أوقات الأزمات.
ويدعو الخبراء إلى تنظيم ودمج الاقتصاد غير الرسمي في معادلة الاقتصاد الرسمي القائم عبر مجموعة من الحلول، منها تسهيل شروط تسجيل الشركات والمنشآت الصناعية والإنتاجية التي تنشط بصورة غير قانونية، إضافة إلى أهمية تدشين قاعدة بيانات تفصيلية خاصة بالاقتصاد غير المنظم.
ويضاف إلى ذلك ضرورة تحسين منظومة الأدوات التأمينية وتوسيع مظلة التأمين الصحي من خلال تبسيط آليات الاشتراك في الضمان الاجتماعي.
كما دعوا إلى أهمية تخفيض رسوم الاشتراك، وكذلك تخفيض كلف الاشتراك في برامج التأمين الصحي المختلفة، علاوة على ضرورة العمل بإستراتيجية الإطار الوطني للتحول نحو الاقتصاد المنظم، والتي وقعت عليها الحكومة الأردنية قبل نحو عقدين مع  منظمة  العمل الدولية والتي لم يعمل بها بعد.
ويقصد بالاقتصاد غير الرسمي، ممارسة مجموعة من القطاعات وكيانات الأعمال المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر غير النظامية أنشطة ذات قيمة اقتصادية في جميع القطاعات الاقتصادية المنتجة للعديد من السلع والخدمات التي يتم تداولها نقدا بعيدا عن نطاق سيطرة الجهات الرسمية بالدولة.
وتتضارب البيانات المتعلقة بحجم الاقتصاد غير الرسمي في المملكة إذ تشير أحدث دراسة محلية  حول ذلك إصدرها منتدى الإستراتيجيات الأردني في عام 2021 إلى أن حجم هذا الاقتصاد محليا ترواحت نسبته على مدى السنوات الماضية حول ما يعادل 15 % من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أظهر تقرير صادر عن البنك الدولي صدر عام 2022 حول العمالة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن 59 % من إجمالي العمالة في الأردن هي عمالة غير منظمة، وأن 75 % من عمالة القطاع الخاص هي عمالة غير منظمة أيضا.
وقال الخبير الاقتصادي زيان زوانة إن “مشكلة اتساع الاقتصاد غير الرسمي محليا قضية أساسية في صلب الاقتصاد الوطني،  وتنطوي على مخاطر اقتصادية جمة  سواء على الدولة والقطاعات التي تنشط في هذا النوع من الاقتصاد”.
وأضاف زوانة أن “خطر حجم الاقتصاد غير الرسمي محليا يكمن في إهداره فرص كبيرة على الاقتصاد الوطني، ويتمثل ذلك  بالفاقد الضريبي على الخزينة العامة، إضافة إلى ضعف أنظمة الحماية الاجتماعية للعاملين فيه، إذ إن ذلك يشكل عبئا على الدولة في حالة الأزمات والكوارث”.
وأشار زوانة إلى أن هناك جهودا بذلت للتعامل مع هذا الملف من قبل الحكومات المتعاقبة لكنها لم تنجح في معالجته بالصورة المطلوبة، نتيجة لعدم شمولية هذه الجهود من جهة، إضافة إلى المشكلات المزمنة للاقتصاد الوطني، لا سيما ضعف معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع نسب البطالة.
ودعا زوانة إلى ضرورة إيجاد حل سريع لهذا الملف الملح والذي سيكون لمعالجته عائد اقتصادي كبير على العملية الاقتصادية ككل، إضافة إلى ضرورة تدشين قاعدة بيانات تفصيلية خاصة بالاقتصاد غير المنظم ، لا سيما في ظل شح الدراسات والبيانات الرسمية المتوفرة حول هذا اللون من الاقتصاد، مؤكدا أن غياب الدراسات والبيانات يضعف جوهر وأثر الاقتصادي الرسمي.
كما دعا إلى ضرورة وضع خطط لتطوير رأس المال البشري لتتلاءم مع حاجة السوق وآثارها المرجوة بما يضمن إدماج العاملين غير النظامين في الاقتصاد المنظم، فضلا عن ضرورة العمل على توسيع مظلة الحماية الاجتماعية الوطنية.
بدوره، أكد الخبير الاقتصادي أحمد عوض أن حجم الاقتصاد غير الرسمي تزايد في المملكة بصورة ملحوظة خلال السنوات الماضية وتعمقت أزمته كثيرا منذ جائحة كورونا، حيث إن  لذلك أضرارا بالغة على الاقتصاد المحلي إذ تخسر خزينة الدولة إيرادات ضربية كبيرة في ظل عدم قدرتها على تحصيل الضرائب المتأتية من  نشاط هذا الاقتصاد الذي تنشط به أعمال مختلفة تحقق دخلا سنويا بملايين الدنانير دون أن يخضع ذلك الدخل لأي نوع من الضرائب، إذ إن في ذلك خسارة فادحة على الاقتصاد الوطني.
وأضاف “تمدد رقعة اقتصاد الظل تحمل ضرر كذلك على الأفراد الناشطين به، إذ لا يتوفر لديهم أمان اجتماعي واقتصادي مستدام، ما يجعلهم دائما عرضة للمخاطر في أوقات الأزمات والكوارث أو في حال  تعرضهم لحوادث، مما يستوجب بذل جهود إضافية لتثقيف الناس حول أهمية الانخراط في مظلة الضمان الاجتماعي، ووجوب تقديم الحكومة دعما لهم من خلال تطوير أدوات تأمينية تسرع من عملية دخولهم في منظومة الحماية الاجتماعية سواء من خلال تسهيل اشتراكهم الجزئي على الأقل في الضمان الاجتماعي وتوفير التأمين الصحي لهم”.
وحول الأسباب التي قادت إلى اتساع حجم الاقتصاد غير الرسمي أردنيا  خلال السنوات الماضية، أرجع عوض ذلك إلى تدني  معدلات النمو الاقتصادي وارتفاع نسب البطالة بشكل ملموس وغير مسبوق، فضلا عن المشكلات الهيكيلة للاقتصاد الوطني وارتفاع الكلف التشغلية والإنتاجية على القطاعات الاقتصادية المختلفة .
ويشار إلى أن معدل البطالة خلال العام الماضي قد انخفض بنحو 0.8 % مقارنة مع العام الذي سبقه، ليبلغ حوالي 22 %، وبلغ معدل البطالة للذكور 19.6 %، خلال عام 2023 بانخفاض مقداره نقطة مئوية واحدة عن العام 2022، فيما انخفض معدل البطالة للإناث خلال العام الماضي بمقدار0.7 نقطة مئوية عن العام 2022 ليبلغ 30.7 %  للإناث وفق بيانات دائرة الإحصاءات العامة.
ولتقليل حجم الاقتصاد غير الرسمي والعمالة غير المنظمة وحمايتها طالب عوض الحكومة بضرورة تسهيل شروط تسجيل الشركات والمنشآت الصناعية والإنتاجية التي تنشط بصورة غير قانونية، إضافة إلى أهمية تحسين منظومة الأدوات التأمينية وتوسيع مظلة التأمين الصحي من خلال تبسيط آليات الاشتراك في الضمان الاجتماعي وتخفيض رسوم الاشتراك به، وكذلك تخفيض كلف الاشتراك في برامج التأمين الصحي المختلفة، علاوة على ضرورة العمل بإستراتيجية الإطار الوطني للتحول نحو الاقتصاد المنظم، والتي وقعت عليها الحكومة الأردنية قبل نحو عقدين مع  منظمة  العمل الدولية والتي لم يعمل بها بعد.
إلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي حسام عايش إن “الاقتصاد غير المنظم يشكل عبئا حقيقيا على الاقتصاد الوطني الرسمي، من خلال هدره عوائد اقتصادية ونقدية ثيمنة على الخزينة العامة التي لا تستفيد من الدخل الذي تجنيه الأنشطة الاقتصادية غير المنظمة، كما أنه يلحق الضرر بالقطاعات الإنتاجية والصناعية النظامية، فضلا عن تحميله الحكومة فاتورة الحماية الاجتماعية في أوقات الأزمات”.
وأوضح عايش أن الظروف المحيطة بالاقتصاد الوطني سواء الداخلية والخارجية والتي حدت من معدلات النمو الاقتصادي وفاقمت  مشكلتي البطالة والفقر، هي من قادت إلى زيادة حجم الاقتصاد غير الرسمي بما في ذلك العمالة غير النظامية.
وأكد أنه كلما كان الاقتصاد الرسمي أكثر فاعلية وتحقيقا للنمو ولديه قدرة على توفير المزيد من الوظائف والتشغيل، وكانت الكلف التشغلية والإنتاجية والضريبية أقل تشددا،  كان الناس لديهم قدرة على تحقيق ذاتهم ويرفع من إمكانية الحصول على دخل يتناسب وتكاليف المعيشة بالنسبة لهم، مما سيقلص من حجم الاقتصاد غير الرسمي.
ويرى عايش أن معالجة هذا الملف يعد أمرا ضروريا وملحا للاقتصاد الوطني وأن تحقيق ذلك يتطلب من الحكومة سن قوانين وتشريعيات خاصة بالاقتصاد غير المنظم تفضي إلى دمجه مع الاقتصاد القائم محليا، إضافة إلى وضع خطة وطنية خمسية لدمج الأنشطة الاقتصادية غير الرسمية والعاملين غير النظامين في الدورة الاقتصادية الوطنية، إلى جانب توسيع مظلة الحماية الاجتماعية وتقديم الحوافز التأمينية والحمائية اللازمة لذلك من خلال خفض كلف الانتساب للضمان الاجتماعي، وتوفير تأمين صحي شامل للجميع.

قد يعجبك ايضا