غالاوي يؤدي اليمين كنائب جديد في البرلمان البريطاني وسط “هيستيريا” تحذيرات من استعمال منبره لانتقاد إسرائيل
حصادنيوز-أدى جورج غالاوي اليمين الدستورية، أمس، كنائب جديد في مجلس العموم البريطاني، وذلك بعد فوزه، الخميس الماضي، بنحو 40% من الأصوات في الانتخابات الفرعية للبرلمان البريطاني عن مدينة روتشديل (منطقة مانشيستر الكبرى بشمال إنكلترا)، والتي اعتبر التصويت فيها “استفتاء شعبيا” على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
وظهر غالاوي وهو يحمل الإنجيل، يقسم قائلا: “أقسم بالله العظيم أن أكون مخلصًا وأن أحمل الولاء الحقيقي لجلالة الملك تشارلز وورثته وخلفائه، وفقًا للقانون. ساعدني يا الله”.
وأكد ظهور غالاوي حاملا الإنجيل على تبديد الشائعات السابقة التي ترددت عن اعتناقه الإسلام، كما قالت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، التي لفتت إلى أنه “مرتبط بقوة بجذوره الكاثوليكية الأيرلندية وشدد على أهمية تكوين أسرة كبيرة”.
وبدا لافتا الوجوه المتجهمة في البرلمان بينهم لأعضاء حزب المحافظين الحاكم، لدى قسم غالاوي، الذي أثناء مروره توقف للإشارة بإيماءة بالوجه لوزير الدولة للإسكان والمجتمعات مايكل غوف، الذي رد التحية بوجهه.
وغوف معروف بأنه واحد من أكبر داعمي إسرائيل، ومنتقدي المظاهرات الحاشدة التي تعرفها لندن وبريطانيا ضد العدوان الإسرائيلي على غزة، كما أنه متهم باتخاذ مواقف “إسلاموفوبية”.
وكان غوف عبَّر عن “أسفه لفوز غالاوي”، ولكنه صرح لقناة “جي بي نيوز” اليمينية: إننا جميعًا ديمقراطيون، لذا يجب أن أهنئ جورج غالاوي على فوزه”. ثم ذهب لاتهام غالاوي باستخدام حملة تثير الانقسام، والزعم بأنه يشجع المتطرفين.
ويتقاطع موقف غوف مع رئيس الوزراء ريشي سوناك، الذي وصف فوز غالاوي بـ”مقلق للغاية”. وحذر سوناك في خطاب له، يوم الجمعة الماضي، ممن سماهم “المتطرفين الذين يستهدفون ديمقراطيتنا”. وتحدث عن “بريطانيا التي تجمع مختلف الأعراق والأديان بينهم المسلمين واليهود”، وقدم نفسه كنموذج لبريطانيا غير العنصرية باعتباره من أصل هندي هندوسي وقد أصبح رئيسا للوزراء.
وحذر سوناك من على منبر خارج 10 داونينغ ستريت، المقر الرسمي لرئيس الوزراء ومكتبه، من الوضع الحالي في بريطانيا، ومن المظاهرات التي تشهدها منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.، احتجاجا على الحرب الإسرائيلية المدمرة والمتواصلة على غزة. وتحدث عن “خطر الإسلامييين” المزعوم.
وفي رده عليه، قال غالاوي في حوار مع قناة “سكاي نيوز” البريطانية إنه “انتُخب ديمقراطيا، وإن سوناك وحزبه حلوا في المرتبة الثالثة في التصويت”. ووصفه بـ”سوناك الصغير وأنه يحتقره”. وخاطب غالاوي المذيع الذي حاوره:” أنت تكلمني وكأن سوناك إله..من هو سوناك.. لا تكلمني عن سوناك كأنه هو النبي موسى الذي نزل من الجبل بألواح الوصايا”.
وأثار فوز غالاوي تفاعلا سياسيا وإعلاميا، تحول إلى ما يشبه “هيستيريا”، كما وصفها البعض، بسبب التحذيرات منه واتهامه بـ”معاداة السامية” وبـ”أنه خطر على اليهود”، والتخويف الكبير من حضوره في البرلمان، واستعمال منبره للحديث عن القضية الفلسطينية وانتقاد إسرائيل وعدوانها على غزة.
وكان فريق حملة غالاوي (69 عاما) واثقا للغاية من فوزه في انتخابات الأسبوع الماضي، لدرجة أنهم أطلعوا الصحافيين في غضون ساعة من إغلاق مراكز الاقتراع على أنه فاز “بشكل مريح”. وكان ذلك بسبب الدعم الكبير الذي حظي به من قبل الجالية المسلمة الكبيرة في المدينة (غالبيتها من أصول باكستانية)، والتي عبّرت عن غضبها بسبب العدوان الإسرائيلي المدمر والمستمر على غزة منذ ما يقارب 5 أشهر، وموقف حزب العمال البريطاني بشكل خاص منها، وزعيمه كير ستارمر.
كما صوت لغالاوي كذلك ناخبون في المنطقة من غير المسلمين، كانوا من الناخبين التقليديين الأوفياء لحزب العمال، وذلك بسبب موقفه وموقف زعيمه ستارمر من العدوان الإسرائيلي على غزة، الذي وصفه بعضهم بـ”حرب الإبادة”.
وهاجم غالاوي (الذي ترشح عن حزب العاملين البريطاني هذه المرة)، في خطاب النصر، رئيسَ الحكومة البريطانية ريشي سوناك لدعمه ودعم حكومته لإسرائيل في حربها المدمرة على غزة، ولكن غالاوي استهدف بشكل أكبر زعيمَ حزب العمال البريطاني كير ستارمر في خطاب النصر، وقال: “كير ستارمر، هذا من أجل غزة”، وأضاف: “ستدفعون ثمنا باهظا للدور الذي لعبتموه في تمكين المذبحة في غزة وتشجيعها وتغطيتها”.
وقد أطاح غالاوي، وهو عضو برلماني سابق عن حزب العمال، بحزبه السابق في 3 انتخابات، عاد إلى البرلمان للمرة الرابعة خلال 37 عاما.
وقال غالاوي: “إن حزب العمال يدرك أنه فقد ثقة الملايين من ناخبيه الذين صوّتوا له بإخلاص جيلا بعد جيل”.
وعلى الرغم من الحملة التي هيمنت عليها حرب إسرائيل على غزة، قال غالاوي إنه يأمل في تشكيل “تحالف كبير” مع أعضاء مجلس روتشديل للعمل على القضايا المحلية.
ويأتي فوزه بعد واحدة من أكثر الانتخابات الفرعية إثارة للجدل في الذاكرة الحديثة، كما قالت صحف بريطانية، مثل “الغارديان”، التي قالت وصفت فوز “غالاوي الشخصية المثيرة للجدل والانقسام بالكاسح”.
وقد جاء مرشح مستقل في المرتبة الثانية، وحزب المحافظين في المرتبة الثالثة، وحل حزب العمال رابعا. واعتبر غالاوي ذلك مؤشرا سياسيا هاما.
وكان حزب العمال، من المفترض في معقل انتخابي له، ويدافع عن أغلبية تقترب من 10 آلاف صوت ويحتل مرتبة عالية في استطلاعات الرأي، ولم يكن يتوقع أي منافسة مباشرة لاستبدال النائب عن الدائرة، توني لويد، الذي توفي في 17 يناير/ كانون الثاني الماضي بسبب سرطان الدم.
لكن الحملة أخذت بعدا آخر عندما تم اتهام مرشح حزب العمال أزهر علي بـ”معاداة السامية” و”الترويج لنظريات المؤامرة ضد إسرائيل” بشأن هجوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقوله في تسجيل مسرب خلال لقاء حزبي، إن “هناك تواطؤا إسرائيليا وإن نتنياهو سمح بذلك الهجوم للبقاء في السلطة”.
وقد تم اتهام أزهر علي بـ”معاداة السامية” في ما بدت حملة إعلامية منظمة. وحاولت قيادة حزب العمال التقليل من ذلك، وأكدت على تقديم أزهر اعتذاره لـ”الجالية اليهودية”، وأن الحزب سيستمر في دعم ترشحه.
ولكن حزب العمال قرر في الأخير التبرؤ من أزهر علي، والتخلي عن حملته قبل أسبوع واحد فقط من المنافسة.
ورغم أن اسم أزهر علي كان على ورقة الاقتراع باسم حزب العمال، إلا أن الحزب أوقف جميع الحملات الانتخابية في المدينة منذ ما يقرب من 3 أسابيع، لأنه فات الأوان القانوني لاختيار مرشح آخر.
وبدعم من الجالية المسلمة في المنطقة، قاد غالاوي حملة انتخابية كبيرة، وكان يجول في روتشديل، ويقف أمام مساجدها بمكبر الصوت، واصفا الانتخابات الفرعية بأنها “استفتاء على غزة”، وفرصة لتنظيم احتجاج ضد حزب العمال.
وعُرف غالاوي بدعمه للقضية الفلسطينية، وكان قاد قوافل شريان الحياة الدولية إلى غزة التي زارها مع ناشطي التضامن في 2010، وحصل على الجنسية الفلسطينية التي قدمها له إسماعيل هنية الذي كان يشغل منصب رئيس وزراء الحكومة آنذاك.
وكان غالاوي قد تزوج بالعالمة الفلسطينية أمينة أبو زيد (من 2000 إلى 2009)، وقبلها باللبنانية ريما حسيني التي عملت باحثة لديه وأنجبت له زين وفارس. كما سبق أن تزوج بإيلين فاف، قبل أن يتزوج لاحقا في 2012 (وهو في الـ57 من العمر) للمرة الرابعة بالباحثة في علم الإنسان بوتري غاياتري، وهي هولندية من أصول إندونيسية تصغره بـ30 عاماً، وكانت أصغر بعامين من ابنته الأولى لوسي البالغة من العمر 29 عاماً. وقد أنجبت غاياتري لجورج طفلة عام 2017 (وهو في الـ62 من العمر) أطلقا عليها اسم أورلا دهيان.
وكان غالاوي قد تعرض في 2014، لجروح بليغة وكسر في فكه بعد اعتداء جسدي عليه في أحد شوارع لندن، من قبل نيل مستسرسون، الذي كان يرتدي قميصا يحمل اسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويصف غالاوي بـ”النازي وهتلر”. واتضح لاحقا أن المعتدي اعتنق الديانة اليهودية، وقد حكم عليه بالسجن 16 شهرا.
واتهم غالاوي، الذي قضى فترة في المستشفى، حينها البرلمان البريطاني بعدم التضامن معه. واتهمت كثير من وسائل الإعلام البريطانية بعدم إعطاء “الهجوم الجبان” على عضو في البرلمان حقه من التغطية بسبب مواقفه، وانحيازها للكيان الصهيوني.
وكان غالاوي حينها عضوا في البرلمان عن حزب “ريسبكت” (الاحترام) ممثلا لدائرة “غرب برادفورد” (مدينة تقع في شمال إنكلترا)، وقد تم انتخابه للبرلمان أيضا بدعم من الجالية المسلمة الكبيرة هناك.
وكان حزب العمال البريطاني فصل غالاوي من عضويته عام 2003 بعد انتقاده قرار زعيمه، وقتها، رئيس الوزراء الأسبق طوني بلير إشراك المملكة المتحدة مع الولايات المتحدة في غزو العراق عام 2003. وشارك غالاوي لاحقاً بتأسيس حزب “الاحترام”، وعلى خلفية معارضته لغزو العراق، تمكن من الفوز بمقعد في البرلمان البريطاني عن دائرة بثنال غرين وباو شرق لندن عام 2005، التي تضم جالية مسلمة كبيرة (من أصول بنغالية)، لكنه فشل في الفوز بمقعد برلماني في الانتخابات العامة التي جرت عام 2010.
ولكن غالاوي عُرف كذلك بأنه شخصية مثيرة للجدل بسبب ما وصف بـ”تقلب مواقفه” واتهامه بـ”الانتهازية السياسية”، و”حب الظهور الإعلامي”، الذي قاده إلى مشاركة اعتبرت مسيئة جدا في برنامج “بيغ براذر” على قناة بريطانية، حيث ظهر مثلا وهو يقلد قط. وقد عرف غالاوي بدعمه للرئيس العراقي الراحل صدام حسين، بكل ما أثار له ذلك من اتهامات.
ثم تحول غالاوي لدعم إيران بعد الغزو الأمريكي- البريطاني للعراق في 2003 والإطاحة بصدام حسين ونظامه. وقدم غالاوي برامج في قنوات ممولة من قبل إيران مثل “برس تي في” بالإنكليزية. كما عرف بدعمه ودفاعه عن نظام بشار الأسد، واتُهم بـ”تبرير مجازره” بينها حصار مخيم اليرموك الفلسطيني في سوريا، والتقتيل والتجويع الرهيب الذي تعرض له العالقون فيه. كما اتُهم أيضا بـ”إنكار ما يتعرض له المسلمون في الصين، والتبرير لبكين”.
وقال ناخبون مسلمون في “روتشديل” إنهم “يعرفون مواقف غالاوي هذه ويرفضونها ويدينونها، ولكنهم يصوتون عليه كرسالة احتجاج ضد حزب العمال بشكل خاص، وموقفه من المذبحة الرهيبة التي تتعرض لها غزة.
وأثير نقاش في أوساط الجالية المسلمة في بريطانيا حول عدم تنظيم نفسها ليكون لها ثقل انتخابي مؤثر، مثلما ظهر في هذا الاقتراع وانتخابات أخرى، وإبراز وجوه ممثلة عنها، تعبر عنها وعن مواقفها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.