الحباشنة يكتب : معان ليست خاصرة رخوة

47

68965_1_1399763393

حصاد نيوز – مقاربة.. الانكار

Denying حالة نفسانية تدفع الانسان المصاب بمرض عضال أن ينكر مرضه، تدفعه تلك الحالة الى عدم مراجعة الطبيب، فيتعذر التشخيص وينتفي امكان العلاج.. وحتى ان تم التشخيص متأخرا فان العلاج يصبح بلا فائدة، حيث يكون المرض قد استفحل ولا امكان للشفاء.

وان ما ينطبق على الأشخاص ينطبق على المجتمعات والدول ايضا.. وقد شهدنا كعرب تجليات تلك الحالة النفسانية التي ابتليت بها أنظمة عربية عدة، أنكرت حالة بؤس مجتماعاتها، ولم يتم التشخيص فتعذر العلاج.. وانطوت صفحة تلك الانظمة بلا رجعة.
مقاربة.. الماء

علميا، فان التراكم الكمي يؤدي بالضرورة الى تغير نوعي، مثالنا الحي على ذلك يتمثل في حالة الماء، الذي ان تعرض الى التسخين ووصلت درجة حرارته الغليان، عندها يتحول الماء الى بخار.

وما ينطبق على حالة الماء ينطبق على المجتمعات والدول ايضا.. ذلك أن تجاهل الاشكاليات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للدولة.. سوف يؤدي تراكمها الى أن تتفاقم فتتحول شكلا ومضمونا الى أزمة.. ومن ثم الى انفجار. الفرق بين الماء والمجتمع أن نقطة الغليان بالنسبة للمجتمعات، نقطة غير مرئية وغير معروفة وتختلف من مجتمع الى آخر.

ان خير مثال على ذلك حالة مصر الراهنة، فان التراكم المزمن لاشكالياتها وتركها دون حل، قاد الأمور نحو الانفجار والثورة..
الحالة الأردنية

تلكم مقدمات عامة تنطبق على أوجه الحياة بمعانيها المادية والمعنوية كافة بما فيها الدول والمجتمعات.. فهل ينطبق الأمر على الحالة الأردنية ونموذجها البارز محافظة معان؟

أجيب بنعم.. ولكن..

أقول نعم.. لأننا مجتمع مثل كل المجتمعات يتأثر سلوكها ايجابا وسلبا بالحال السياسية والاقتصادية والاجتماعية السائدة.

واقول ولكن.. لأن الحالة الأردنية اتسمت على مدار عمر الدولة بانجازات كبرى وعلى كل الصعد، لا ينكرها الا ظالم، ولذلك فاننا ما زلنا نمتلك فسحة من الزمن، لمعالجة ما لدينا من اشكالية مركبة اقتصادية ـ واجتماعية ـ وسياسية.. حيث يبدأ العلاج بالاعتراف بالاشكالية أولا، كما هي بلا رتوش ولا تجميل، وأن الاعتراف يقود بالضرورة الى التشخيص ومعرفة الدوافع والمسببات، وهنا يصبح العلاج أمرا ممكنا..

معان

فما هي اشكالية الدولة الاردنية التي تطل برأسها وتعبر عن مكنونها بين كل فترة وأخرى..؟!

ولماذا معان أكثر من غيرها..؟؟

تتداخل وتتفاعل في اشكاليتنا الوطنية عوامل عدة، ومحافظة معان هي الأبرز في التعبير عن هذه الاشكالية، ذلك انها تعاني من وضع معيشي صعب، تنطق به الأرقام، فتلكم المنطقة من وطننا الغالي تحتوي على 22 % من جيوب الفقر السبع والعشرين الموجودة في المملكة !!، حيث تقدر نسبة الفقر في قصبة معان 21.5 %، وفي منطقة أذرح 26.5 %، وفي منطقة الجفر 33.8 %، وفي منطقة الديسي من محافظة العقبة الا انها ضمن النسيج الاجتماعي من محافظة معان 47.5 %، وفي منطقة أيل 48.3 %، وفي لواء الحسينية 52.5 %، أي ان مواطنا من كل اثنين لا يتحصل على الغذاء الكافي أو المسكن المناسب، مع الاشارة الى ان 44 % من جيوب الفقر تقع في جنوب المملكة «جريدة الغد»

وان هذا الوضع السيئ يرتبط بجمود الحالة الاقتصادية في المحافظة، وفي النقص الفادح في أذرع التنمية، فلا مشروعات ولا فرص عمل جديدة، زد على ذلك آلاف الخريجين الذين ينضمون الى جموع العاطلين من العمل، من دون أن يلوح في الأفق بصيص أمل بالظفر بفرصة عمل.. مع التذكير بأن مدينة معان ليست لها امتدادات اراض خارج حدود جدر القصبة..

أما على الصعيد السياسي والثقافي، فان محافظة معان مثل أغلب مناطق المملكة تفتقر الى التواصل المنتظم والمطلوب بين المستويات المختلفة للمسؤولين وبين المواطنين، وان الزيارات الحكومية لا تعدو كونها ضربا احتفاليا محضا. حتى عندما تحدث حالة من التعبير والاحتجاج على الواقع الصعب، فان المسؤولين يتجنبون التواصل مع المحتجين للوقوف على مطالبهم أو التحرك نحو تحقيقها كلها أو بعض منها، بل وعدم السعي لافهام الناس الأسباب التي تحول دون تحقيق تلك المطالب. مع التذكير بأن جلالة الملك لا يتوقف عن التأكيد على المسؤولين بأهمية التواصل مع المواطني

الفكر المتطرف..

في الصيف الماضي كنت في عداد مجموعة من اعضاء الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة بزيارة لمحافظة معان، وكانت هناك خيمة حراك مطلبي في الحسينية، ما يلفت النظر، وبرغم أنه قد مر على نصب تلك الخيمة ما يزيد على أربعة اشهر، فان أي مسؤول لم يكلف خاطره بزيارة الحسينية والوقوف على طبيعة مطالبها. بل وكنا عقدنا جلسة حوارية في مجمع نقابات معان بحضور قادة سياسيين وعشائريين ونقابيين ورجال أعمال لمدة ثلاث ساعات، أكد المجتمعون لنا بأن التواصل مع الحكومة.. شبه مقطوع، مع ملاحظة أن جملة المطالب التي استمعنا اليها في الحسينية أو في معان ليست بالمطالب التعجيزية، وان تحقيقها أمر ممكن، ولو على مدى زمني طويل..

ان غياب التواصل مع المواطنين وعدم شرح توجهات الدولة وامكاناتها ومواقفها السياسية تجاه ما يجري بالاقليم وعدم وجود مؤسسات مجتمع مدني فاعلة ومؤثره، سوف يدفع الشباب بالضرورة لأن يكونوا عرضة للتأثر بالفكر المتطرف السائد في الاقليم. فالشاب العاطل من العمل والذي لا تعيره حكومته الاهتمام الكافي عرضة لأن يتأثر بذلك الفكر، وهذا ما يفسر التحاق مئات الشباب الاردني بالمجموعات المسلحة في سورية. واننا بقدر خشيتنا على حياتهم فاننا نخشى من عودتهم الى الاردن، فحين يعودون فانهم لا يحملون فكرة التطرف فحسب بل فكرة التطرف وامكانات تطبيقها على الارض.. ولنا في الجزائر المثال الأكبر، فالذي أشعل الحرب الداخلية التي امتدت عشر سنوات هم الشباب العائدون من افغانستان.. ونسمع يوميا أن دولا غربية تعد العدة تحرزا من مواطنيها الذين التحقوا بالحرب السورية، لمواجهة الأخطار الامنية المترتبة على عودتهم الى تلك البلدان..

اذا، فاشكالية محافظة معان، وهي اشكالية على مستوى الوطن بمستويات متباينة من منطقة الى أخرى، أشكالية يمكن حلها، فعلينا أن نتصدى الى الحال المعيشية الصعبة، فنرتقي بمستوى الحياة ونولد فرص العمل عبر مشروعات موجودة على الورق، لكنها تنتظر التنفيذ، وعبر التواصل الفكري والثقافي والسياسي مع المواطنين وبالذات مع الشباب حتى لا يكونوا نهبا لأفكار التطرف والعنف.

ان علينا ان نؤسس وندعم مؤسسات مجتمع مدني نشطة قادرة على استيعاب الشباب وتسليحهم بخطاب الدولة الاردنية وتوجهاتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية على اختلافها.. وعلينا كذلك أن نقوم بتوظيف كافة منابر التوعية والتثقيف من اعلام وجامعات ومدارس ومنابر دينية، أو بقوة القانون، لمنع شبابنا من الالتحاق في حروب الاقليم البغيضة.

تجربة سابقة

ومن تجربة شخصية يشهد عليها أهالي معان الطيبون وقادتها، فان الحوارت المستمرة ابان وجودي في حكومتي الرئيسين علي أبو الراغب وفيصل الفايز مع القوى النشطة في مدينة معان السياسية والاجتماعية قد أعطت أكلها، حيث قام المطلوبون لدى القضاء بتسليم أنفسهم في مكتب وزير الداخلية دونما ضغط ولا ملاحقة.

كذلك فان انتقاء القادة المحليين في المحافظات، لا بد أن يخضع الى معايير خاصة، بارسال شخصيات ذات معرفة وخبرة متعددة الأوجه، سياسية وعشائرية واجتماعية. وان من المناسب التذكير بأن الفترة التي تم بها تعيين اللواء حاكم الخريشا محافظا في معان واللواء محمد العطين مديرا للشرطة، كانت من أهدأ الفترات التي مرت بها المحافظة.

التسامح والضعف

وبعد.. فان المواطنين في محافظة معان، مواطنون أردنيون أصحاب شيم راقية منتمون ومحترمون، ولنتذكر أن أول استجابة أردنية للثورة العربية الكبرى انطلقت من محافظة معان.. فكانت معان أول الرصاص….

مع التأكيد بأن على الدولة الأردنية أن تميز بين الصالح والطالح، وبين من له قضية سياسية او مطلبية وبين مجرم مطلوب.. فالتسامح والحوار مطلوبان في الحالة الأولى، وانفاذ القانون مطلوب في الحالة الثانية، وعلينا ان لا نخلط بين التسامح والضعف، وان لا نعالج موضوع معان معالجة أمنية بحت، وأن لا نكتفي بالمسكنات التي قد تخفي الأعراض، ولكنها بالتأكيد لن تعالج المرض.

قد يعجبك ايضا