محكوم بالإعدام يروي مشاعره بانتظار الموت
حصاد نيوز – أستيقِضُ كل فجر لأسترق السمع لوقع اقدام القادمين لسوقي الى حبل المشنقة، أخاف أن يتراجع الاردن عن قراره بوقف تنفيذ هذه العقوبة بأي لحظة، وأرى في ساعات منامي القليلة «كوابيس» حبل المشنقة يلتف حول عنقي.
بتلك العبارات لخص نزيل محكوم بالاعدام في مركز اصلاح وتأهيل سواقة مشاعره التي لا زالت تخالجه منذ العام 2009 بعد ان قضت محكمة الجنايات الكبرى بإعدامه شنقا بجرم القتل القصد.
ويضيف في اتصال هاتفي تم ترتيبه معه من داخل السجن، «ارى الموت كل يوم، واستحضر في مخيلتي بألم مشاعر والدتي وابنائي لحظة تبليغهم بتنفيذ الحكم واضطر يوميا لاستعادة شريط مليء بالالم والبؤس اوصلني الى هذا المكان».
طلب عدم ذكر اسمه حفاظا على مشاعر أسرته التي يقول انه يحاول التماسك امامها واظهار نفسه بالمطمئن لكنه يفصح عن حقيقة وضعه النفسي ويختصرها بالقول «إنني أقتل كل يوم».
حال النزيل هذا هو حال أكثر من 100 نزيل قضت المحاكم باعدامهم شنقا حتى الموت عقابا على جرائم ثبت للمحاكم انهم ارتكبوها، ولم يساعد التوقف «غير الرسمي» عن تنفيذ العقوبة من تبديد مخاوفهم تحت وطأة الخوف من اعادة العمل بالعقوبة طالما ان هذا التوقف لم يسند بتعديل تشريعي.
في الاردن لم تنفذ عقوبة الاعدام منذ منتصف العام 2006 لكن هذا التوقف لم يأخذ الصبغة الرسمية في ضوء وجود نصوص قانونية لا زالت تعاقب بالاعدام على عدد من الجرائم.
فالايقاف غير الرسمي لتنفيذ العقوبة في الاردن ترافق مع امتناع رسمي عن الاشارة او التصريح بوقف نهائي لهذه العقوبة، ما يترك الباب مفتوحا للعودة عن قرار الايقاف في اي لحظة وتحت وطأة المطالبات بالعودة الى هذه العقوبة كلما وقعت جريمة تثير الرأي العام.
ليبي وأردني كانا آخر من نفذت بحقهما عقوبة الاعدام بعد ادانتهما في اغتيال دبلوماسي امريكي أمام منزله في عمان، فيما أصدرت محاكم المملكة 22 حكما بالاعدام خلال العام 2013 خفضت محكمة التمييز اربعة منها الى الاشغال المؤقتة و4 أخرى الى الاشغال المؤبدة.
الشريعة والعادات والخوف من تفاقم ثقافة الثأر ثم حكاية الردع العام مبررات الوقوف عند نقطة التجميد غير الرسمي للتنفيذ وهي مسوغات يسوقها معارضو الغاء العقوبة كلما دق جرس المعايير العالمية وحقوق الانسان لتحريك مياه الالغاء الراكدة.
مناهضو عقوبة الإعدام يسعون الى الغائها واستبدالها بعقوبة السجن مدى الحياة بتقليص أكبر عدد من النصوص القانونية التي تعاقب بالإعدام حيث تنص 21 مادة في قوانين اردنية عدة على هذه العقوبة وهو رقم يبلغ 7 أضعاف ما ورد في الشريعة الاسلامية على عقوبة القصاص التي حددت شرعيا في ثلاثة نصوص مع ما رافق تلك النصوص من تشدد يجعل في بعض الاحيان من الاستحالة تنفيذها.
مدير مركز عدالة لدراسات حقوق الانسان المحامي عاصم ربابعة يقول في معظم الدول الإسلامية ومنها الوطن العربي كما الاردن لا تشكل الجرائم المعاقب عليها بالإعدام والمستمدة من أحكام الشريعة الإسلامية سوى أقل من 3% من الجرائم المعاقب عليها بالإعدام وفق التشريعات الوطنية، وهذا يزيل أول تعارض بين الشريعة الإسلامية والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
وبحسب الربابعة، فان هذا الموضوع لا يحظى باهتمام المشرعين، فيما يمتنع القضاء الاردني عن اعلان موقف من دعم جهود الإلغاء – وإن كانت توجد مواقف شخصية لعدد من القضاة مؤيدة لفكرة الغاء الإعدام – كما أن الرأي العام الأردني في الغالب يتراوح موقفه بين إبقائها في أشد الجرائم خطورة وبين إبقائها لضرورات عملية في مجتمع يقيم وزنا لفكرة الثأر.
وقال الربابعة ان الخلاف بين المؤيدين والمعارضين ينحصر في مبررات إبقاء أو الغاء تلك العقوبة فالمعاملة أو العقوبة ليس لها ما يبررها في عرف المناهضين للعقوبة في حين يرى جانب من الناس أن هذه القسوة مبررة بالنظر الى فداحة الجرم الذي ارتكبه الجاني.
مدير المركز الوطني للطب الشرعي السابق الدكتور مؤمن الحديدي قال ان علم الإجرام والإصلاح الجنائي يسعى إلى إصلاح المجرم لا إلى انهاء حياته خاصة أن التحليل العلمي لأوضاع أغلب المجرمين يشير إلى أن أكثرهم كانوا ضحايا أوضاع مجتمعية وإنسانية وتربوية قاسية ومشوهة، لذا فمن المفترض إصلاحهم لا التخلص منهم.
واكد الحديدي الذي حضر العشرات من تنفيذ تلك الاحكام في مركز اصلاح وتأهيل السواقة – مكان الإعدام – أن هذه العقوبة لا يمكن التراجع عنها في حال ثبوت براءة المحكوم بها لاحقا، وهنا لا بد من الإشارة إلى ان 8 % من المحكومين الذين نفذ فيهم حكم الإعدام ثبتت براءتهم لاحقا لكن بعد أن كانوا قد فقدوا حقهم بالحياة.
وينحصر دور الطب الشرعي حسب الحديدي عند حضور التنفيذ بالتأكد من هوية المحكوم من قبل مدير السجن والمدعي العام وفي حالات اعدام السيدات إذا كانت المحكومة بهذه العقوبة انثى يجب التأكد ان لا تكون حاملا تطبيقا لنص المادة 17 من قانون العقوبات. اما بعد التنفيذ فيجب التأكد من وفاة المحكوم سريريا بحيث يتأكد من توقف الأجهزة الرئيسية الثلاثة القلب والتنفس والجهاز العصبي عن العمل توقفا لا رجعة فيه وتوثيق الوفاة اضافة الى تنفيذ امر المدعي العام بنقل الجثة للحفظ والتأكد من اجراءات تسليمها.
حالات تنفيذ الاعدام تحمل وفق أحد المدعين العامين الذين حضروا تنفيذ العقوبة أكثر من مرة مبررات لايقافها نهائيا، مشيرا الى ان الحكم نفذ مرتين بإحدى المحكومات بعد ان انزلق رأسها من حبل المشنقة خلال تنفيذ الحكم وسقطت على الارض الا انها اعيدت إليه مرة أخرى وجرى إعدامها للمرة الثانية، وهناك حالات أعيدت للمشنقة مرة اخرى بعد ان سمع صوت اشبه بالشخير يصدر عنها كما حدث مع احد المحكومين في التسعينيات.
لم يعلن الاردن رسميا عن وقف تنفيذ احكام الإعدام على لسان أحد المسؤولين لكن امتناع الاردن للمرة الثانية عن التصويت خلال اجتماع الجمعية العمومية في كانون الأول الماضي بنيويورك عام 2010 لوقف تنفيذ العقوبة فهم على هذا الاساس من قبل النشطاء في مجال حقوق الانسان والمناهضين للعقوبة.
وعن ذلك تقول الناشطة الحقوقية المحامية نسرين زريقات الاردن صادق على معظم الاتفاقيات الدولية الاساسية في حقوق الانسان، وفي عام 2006 قام بنشر تلك الاتفاقيات بالجريدة الرسمية وهكذا اصبحت الاتفاقيات الدولية جزءا من نظام القانون الوطني.
وزادت هذا الحراك على مستوى حقوق الانسان ساهم بظهور الاصوات المنادية بمناهضة عقوبة الإعدام حتى ان الحكومة عملت على تقليص تدريجي بالنصوص القانونية المعاقب عليها بعقوبة الإعدام وحددت بـ 23 نصا قانونيا وهناك تعديلات قانونية جديدة مطروحة أمام مجلس النواب لهذه الغاية.
وقالت زريقات ان الإعدام عقوبة استئصالية ففي حالة وجود خطأ بتطبيق القانون لا نرجع حياة الانسان ومن باب الأولى تطبيق الحبس مدى الحياة.
وترى المديرة الاقليمية للمنظمة الدولية للاصلاح الجنائي المحامية تغريد جبر في عقوبة الإعدام أنها لا تقل قسوة عن جريمة القتل لانها تنطوي على الحرمان من الحق في الحياة، وهي غير عادية لأنها تطبق في الجرائم الأشد خطورة وحيث لا يعقل أن تتساوى الجرائم كافة في شدة خطورتها فإن الجرائم المعاقب عليها بالإعدام هي الجرائم غير العادية التي تشكل النسبة الاقل في الجرائم عموما، ونظرا لقسوتها واستثنائيتها فإن عقوبة الإعدام تتعارض مع مفهومي الكرامة والحرية اللصيقين بوجود الكائن الانساني خاصة بما تنطوي عليه من إسباغ المشروعية على القتل حتى وإن كان عقوبة.
واكدت جبر ان الإعدام كعقوبة لا يشكل رادعا للجريمة اذ تدلل الإحصاءات على أن تطبيق عقوبة الإعدام لم يؤد الى خفض معدلات الجريمة (في الدول التي تطبقها) كما أن الغاءها لم يؤد الى زيادة معدلات الجريمة في الدول التي الغتها.
الشريعة الإسلامية وفق الدكتور حمدي مراد نصت على عقوبة الإعدام وحصرتها ضمن حالات قليلة محددة، وعملت على تقييد استخدامها من حيث الإثبات والإنصاف والتسامح لدرجة تجعلها مستحيلة التطبيق على أرض الواقع، الأمر الذي يعتبر بجوهره توقيفا عمليا لاستخدام عقوبة الإعدام.
ويشير مراد في حديث ضمن جلسة حوارية حول تنفيذ العقوبة الى ان الحالات الثلاث تتعلق بالقتل وزنا المحصن والترويع أي الارهاب.
ويبين ان القتل يتطلب شروطا مشددة لايقاع عقوبة القصاص والمشرع الاسلامي يدرأ بالشبهة تنفيذ أي حد كما يمنع انزال القصاص اذا كان أي من اولياء الدم مترددا في المصالحة والصفح كما ان نظام الدية يعطي ولي الدم الحق في قبول التعويض المالي بديلا لتنفيذ العقوبة.
ويلفت الى ان زنا المحصن موضع خلاف عند كثير من العلماء كما ان شروط اثبات وقوع الزنا تجعل من المستحيل اثباته وبالتالي التوقف فعليا عن تنفيذ هذه العقوبة.
مؤخرا قالت منظمة العفو الدولية، امنستي، في تقرير لها انه تم خلال العام 2013 تنفيذ ما يقرب من 1000 حكم بالإعدام في أنحاء العالم باستثناء الصين، بزيادة قوامها 15% عن عدد الذين أُعدموا عام 2012، وعزت ذلك إلى حدوث مستويات مقلقة من عمليات الإعدام في مجموعة منعزلة من البلدان خلال عام 2013، لا سيما في كل من ايران والعراق».
وقالت المنظمة ان موجات الإسراف في القتل التي حدثت مؤخرا في بعض البلدان مخزية، لكن لا بد أن تعي الدول التي لا زالت تتشبث بعقوبة الإعدام أنها على الجانب الخطأ من التاريخ، وأنها في واقع الأمر، أصبحت أكثر انعزالا من ذي قبل.
وأضافت ان عددا قليلا فقط من البلدان قام بتنفيذ عمليات القتل غير المنطقية التي تتم برعاية الدولة غير انها ترى أن ذلك لن يقوض من مساعي التقدم الكلي الذي تم احرازه على صعيد إلغاء عقوبة الإعدام.
وبحسب تقرير المنظمة فقد «أدى عدد عمليات الإعدام المنفذة في إيران (369) عملية، والعراق (169) عملية، إلى احتلال البلدين المرتبتين الثانية والثالثة على قائمة عصبة الدول التي لا تزال تطبق عقوبة الإعدام التي تتربع الصين على رأسها. ومع أن عدد عمليات الإعدام المنفذة يظل طي الكتمان في الصين، فان المنظمة قدرت تنفيذ آلاف الاعدامات هناك سنويا.
وتحتل السعودية المرتبة الرابعة في تنفيذ عقوبات الاعدام ووفقا للتقرير، بعد تنفيذ (79حكما بالاعدام) ثم الولايات المتحدة في المرتبة الخامسة (39 حكما)، فيما جاءت الصومال سادسةً بتنفيذها (34) عملية إعدام.
وباستثناء الصين، عُرف تنفيذ ما لا يقل عن 778 حكما بالإعدام خلال عام 2013، مقارنة بحوالي 682 في عام 2012.
وأُعدم هؤلاء الأشخاص في 22 بلداً خلال العام 2013، وهو ما يزيد بمقدار بلد واحد عن عدد البلدان التي نفذت عمليات الإعدام في 2012. واستأنفت كل من إندونيسيا والكويت ونيجيريا وفيتنام استخدام عقوبة الإعدام بعد التوقف عن تفيذها لعدة سنوات.
وافاد التقرير انه «على الرغم من بعض الانتكاسات التي شهدها العام 2013، فلقد تراجع بشكل ثابت عدد البلدان التي تستخدم عقوبة الإعدام خلال العشرين سنة الماضية، فيما شهدت جميع مناطق العالم تقدما على هذا الصعيد خلال السنة الماضية.
وعلى النقيض مما قامت به في العام 2012، فلم تنفذ العديد من البلدان أي أحكام بالإعدام خلال سنة 2013، بما في ذلك غامبيا والإمارات العربية المتحدة وباكستان، التي شهدت قيام السلطات فيها تعليق العمل بعقوبة الإعدام ثانيةً، كما امتنعت بيلاروسيا عن تنفيذ عمليات إعدام، ما يعني أن منطقة أوروبا وآسيا الوسطى كانت خالية من الإعدام للمرة الأولى منذ العام 2009».