“المشوار” بطل شعبي لجمهور النخبة.. الوجه الآخر لمحمد رمضان
حصادنيوز-مسلسل “المشوار” أحد أهم الأعمال المعروضة خلال موسم مسلسلات رمضان 2022؛ وذلك لأسباب عدة، أولها بالطبع اسم بطله محمد رمضان، وثانيها اسم مخرجه محمد ياسين، ليجذب العمل نوعين مختلفين من المشاهدين نادرًا ما يلتقيان.
مسلسل المشوار تأليف محمد فريد، ويشارك محمد رمضان البطولة كل من دينا الشربيني وأحمد مجدي وبيومي فؤاد، وهو من إنتاج سعدي – جوهر، ويأتي -كما هو معتاد من المسلسلات العربية في الشهر الكريم- في 30 حلقة.
مسلسل المشوار والجمهور المتنوع
هناك انقسام حاد ودائم حول محمد رمضان؛ فمن ناحية هو بطل الطبقات الشعبية الأول، فيشبه في أسلوبه وشكله الكثير من الشباب الذين اعتبروه الوجه الممثل لهم في السينما والتلفزيون، ومن ناحية أخرى، يحتقره أبناء الطبقة الوسطى والعليا من المشاهدين، متهمينه بأنه السبب الأهم في انتشار الفظاظة والبلطجة على شاشاتهم، وأنه ذو تأثير سلبي على أبنائهم.
في حين أن محمد ياسين مخرج نخبوي إلى حد كبير، اشتهر بأعمال مميزة مثل “موجة حارة” و”أفراح القبة”، وهي مسلسلات اكتسبت شعبيتها بسبب أفكارها المعقدة، وتحولات شخصياتها الكبيرة، وخياراتها البصرية المميزة.
جمع مسلسل المشوار بين هذين الجانبين المختلفين، ليستطيع أن يوحد جمهورا متنافرا تحت راية متابعة مسلسل واحد أصبح بسهولة “تريند” (من الأكثر تفاعلا على وسائل التواصل الاجتماعي) على المستوى العربي.
وامتلك كل من الشعبوية والنخبوية في آن واحد، وذلك عبر قصة مثيرة، تدور حول ماهر وزوجته ورد، اللذين يعملان في أحد مصانع الملح في الإسكندرية، ويعيشان مع خالة الزوج في شقة سكنية متواضعة، لكن يعلم المشاهد بعد قليل أن هذه ليست حياتهم المستقرة، فالبطلان هاربان من شيء ما، أو على الأقل أنهما هنا فقط في إحدى محطات رحلتهما أو كما يتضح من عنوان المسلسل “المشوار”.
سيناريو يأخذنا إلى قلب الحدث
تبدأ حلقات مسلسل المشوار في نقطة متقدمة من الأحداث، فالبطلان الهاربان -بالفعل من خطر ما- يعيشان في حذر، ومتخفيان في شخصية زوجين فقيرين، في حين أنهما في الحقيقة في انتظار زوال تهديد، يمكنهما بعده بدء حياة جديدة أكثر سعادة واستقرارًا، ومع مضي الحلقات الأولى نكتشف المزيد عن ماضيهما، وعن السبب وراء هذه الرحلة والمعلومات الكاذبة التي ينشرانها حولهما.
غاب عن المسلسل التمهيدات المعتادة لتقديم الشخصيات الأساسية والفرعية، والعلاقات بينها، بل يلقي المشاهد في قلب الحدث، معتمدًا على ذكائه في تنظيم كل المعلومات التي تلقى عليه في عشوائية فطنة، مما يجعله مندمجًا في المشاهدة، التي تتطلب منه مجهودًا إضافيًا، ومختلفًا عن النمطية السائدة في الحلقات الأولى من المسلسلات العربية.
يزيد هذا الأسلوب من إثارة المشاهد أيضًا، فهو يبني الاستنتاجات طوال الوقت، ويصبح عليه انتظار الحلقة القادمة لاكتشاف مدى صحتها، أو معلومة جديدة تكشف عن المزيد من أسرار اللغز الذي يحاول سبر أغواره، ويصبح جزءًا من رحلة هروب البطلين، وشخصًا ثالثًا في هذا المشوار.
الوجه الآخر لمحمد رمضان ودينا الشربيني
يعاني كل من محمد رمضان ودينا الشربيني من المشكلة ذاتها تقريبًا، وهي اشتراكهما في أعمال دومًا ما تكون معدة لهما على وجه الخصوص، أي شخصيات مرسومة لتتناسب معهما، مما أدخلهما في دائرة من التنميط، وتقديم الدور ذاته بتنويعات مختلفة، الأمر الذي لا يعطيهما المساحة الكافية لإظهار موهبتهما التمثيلية، ولكن يختلف الوضع مع مسلسل “المشوار”.
يُعرف المخرج محمد ياسين بقدرته المميزة على إدارة الممثلين، فعلى سبيل المثال أفضل أدوار إياد نصار كانت معه في “موجة حارة” و”أفراح القبة”، مما يجعل المشاهد يتساءل أين تذهب موهبة نصار هذه في باقي أعماله.
كذلك أخرج منى زكي في “أفراح القبة” من قالب الفتاة الرقيقة المحبوبة، ليقدم امرأة معقدة محبطة تأخذ خيارات خاطئة طوال الوقت خلال محاولتها للنجاة.
هنا في مسلسل “المشوار” يعيد محمد ياسين الكرّة، فأخذ محمد رمضان من “كليشيهات” الفتى الشعبي “الجدع” الذي يبحث عن انتقام ما أو يثبت جدارته إلى رجل مطحون يدخل مغامرة أكبر منه، لكنه أيضًا يحاول النجاة لبر حياة أفضل.
يتلاءم محمد رمضان من ناحية المظهر مع طبيعة الشخصية بالتأكيد، لكن الأهم أنها تعطيه مساحات أوسع لإظهار قدراته التمثيلية التي لم يعبأ بها أحد تقريبًا حتى الآن، فهو يستطيع الانتقال من الفرح إلى القلق وبين الحب واللطف في نقلات بسيطة غير مفتعلة.
كذلك الأمر بالنسبة لدينا الشربيني، التي عادت إلى دور الفتاة الشعبية الذي لعبته سابقًا في بدايتها مع محمد ياسين نفسه في مسلسل موجة حارة، لكن هنا تميزت بخفة تلاءمت بكيمياء واضحة مع محمد رمضان في كل مشاهدهما المشتركة.
تجربة بصرية مبهرة
كالمعتاد من محمد ياسين ومدير التصوير عبد السلام موسى، قدم المسلسل تجربة بصرية غنية للغاية، خاصة مع التصوير في منطقة استخراج الملح في الإسكندرية، التي لم يعتد عليها المشاهد المصري، واستغلال هذا التضاد اللوني بين الأبيض الناصع النقي وبشرة العمال السمراء الجافة من العمل تحت أشعة الشمس.
صبغ محمد ياسين مسلسله بلمسة شعبية واضحة، بداية من مكان سكن ماهر وزوجته، على البحر في منطقة نائية وفقيرة، إلى التتابع الأجمل في شهر رمضان 2022 حتى الآن، لمشهد هروبهما عبر حفل زفاف شعبي على الطريقة الإسكندرانية، تم تصويره بأسلوب لا نشاهده في الأعمال العربية، من سلاسة حركة الكاميرا، ودقة الممثلين والتركيز على جسدهم ووجوههم المتفاعلة مع الوقت الصعب الذي يقضونه.
لا يزال مسلسل المشوار بالتأكيد في بدايته، لكن أصبح من المتوقع منه المزيد، بعدما وضع نفسه في منافسة الأفضل في هذا الموسم الرمضاني المحتدم.