عقب ضغوط من المجلس العسكري.. فرنسا بين الانسحاب وتغيير شكل وجودها في مالي

95

حصادنيوزبمواجهة ضغوط المجلس العسكري المتزايدة في مالي حذّرت فرنسا بأنه لم يعد بإمكانها “البقاء على هذا النحو” في البلد. غير أن باريس تبقى حريصة على تفادي أي مقارنة مع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان الصيف الماضي من دون تشاور مع حلفائها.

قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الجمعة متحدّثاً إلى إذاعة “RTL” إنّه “نظراً إلى انهيار الإطار السياسي والإطار العسكري (في مالي) لا يمكننا البقاء على هذا النحو”، مندّداً بـ”العقبات” المتزايدة بوجه مهمة “القوات الأوروبية والفرنسية والدولية”.

وتدهورت علاقات باماكو مع الأوروبيين ومع المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا التي فرضت عقوبات دبلوماسية واقتصادية صارمة على مالي.

والمجلس العسكري متهم بالاستعانة بمرتزقة مجموعة “فاغنر” العسكرية الروسية، وهو ما ينفيه.

كما أعاد النظر في الاتفاقات الدفاعية مع باريس وطلب مؤخّراً من القوات الدنماركية المشاركة في قوة “تاكوبا” الأوروبية التي تقودها فرنسا مغادرة البلاد، وهو ما اعتبرته عدة مصادر فرنسية مطلعة على الملف “إهانة”.

وقال لودريان بعد ظهر الجمعة مع نظيره الهولندي فوبكه هوكسترا: “نباشر الآن مشاورات مع شركائنا لتقييم الوضع وتكييف جهازنا مع المعطيات الجديدة”.

لكنه شدّد على أن أي إعادة ترتيب للجهاز العسكري الفرنسي والأوروبي لمكافحة الجهاديين ستكون “قراراً جماعياً” يتخذ بعد “محادثات ومع شركائنا الأفارقة وشركائنا الأوروبيين”، من دون أن يستخدم كلمة انسحاب.

غير أن وزير الخارجية المالي عبد الله ديوب رد بأن “مالي أيضاً لا تستبعد شيئاً بالنسبة إلى هذه المسائل إن لم تكن تأخذ بمصالحنا”، في حديث إلى إذاعة “RFI” وشبكة “فرانس 24” التلفزيونية.

وأوضحت وزيرة الدفاع الدنماركية ترين برامسن أن الدول المشاركة في قوة تاكوبا “ستتخذ خلال الأيام الـ14 المقبلة قراراً حول الشكل الذي ينبغي أن يتخذه مستقبل مكافحة الإرهاب في الساحل”، حسب ما نقلت عنها وكالة “ريتساو” الدنماركية بعد اجتماع عبر الإنترنت لوزراء الدول المشاركة في قوة تاكوبا التي تنشر 800 عسكري في مالي.

وقال هوكسترا في باريس: “إننا نبحث عن مقاربة مشتركة”.

ومن الجانب المالي أوضح ديوب أن طلب رحيل القوات الفرنسية “غير مطروح في الوقت الحالي”، لكنه تابع: “إذا اعتبر وجود(ها) في وقت ما مخالفاً لمصالح مالي، فلن نتردد في تحمل مسؤولياتنا، لكننا لم نصل إلى هذا الحد”.

وباشرت فرنسا قبل ستة أشهر إعادة ترتيب قواتها العسكرية في مالي فغادرت قواعدها الثلاث في شمال البلد وخفضت قواتها التي كان يبلغ عددها خمسة آلاف عسكري في الساحل الصيف الماضي بهدف معلن هو الاحتفاظ بما بين 2500 و3000 عنصر بحلول 2023.

في المقابل وصلت تعزيزات أوروبية ضمن قوة تاكوبا الخاصة التي شُكِّلت بمبادرة من باريس لتقاسم أعباء مكافحة الجهاديين في مالي وإعادة تركيز الجهود على مساندة الجنود الماليين في القتال.

البحث عن إجماع أوروبي

وإن كانت هذه القوة ترمز إلى أوروبا دفاعية يدعو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى تعزيزها، فمستقبلها يتوقف اليوم على ما يريده المجلس العسكري.

وفي حال فشلت العملية فسيشكل ذلك نكسة كبرى في ظل الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي وقبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية.

غير أن فرنسا تبقى حريصة على إظهار موقف أوروبي موحد حيال هذه المسألة، سعياً لتفادي أي مقارنة مع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان الصيف الماضي من دون أي تشاور مع حلفائها.

وتعتمد باريس موقفاً متريثاً ظاهرياً، غير أن القلق يظهر في الكواليس.

فالعراقيل التي يضعها المجلس العسكري مستغلاً صعود مشاعر معادية لفرنسا في المنطقة قد تطرح في نهاية المطاف مسألة انسحاب فرنسي من مالي حيث تنشر باريس قوات منذ 2013 في عملية كلفتها حتى الآن 48 قتيلاً (53 في الساحل) وملايين اليوروهات.

وعلقت رئاسة الأركان الفرنسية بأن سحب العسكريين الفرنسيين من مالي “سيستغرق أشهراً في حال تقرّر ذلك”، مؤكدة في المقابل أن هذا “غير مطروح على جدول الأعمال في الوقت الحاضر”.

ميدانياً لا تزال المجموعات الجهادية التابعة إمّا للقاعدة وإما لتنظيم “داعش” الإرهابي، تحتفظ بقدرة كبيرة على التحرّك وشنّ عمليات رغم تصفية العديد من قادتها. وانتشرت أعمال العنف إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين، قبل أن تمتد جنوباً في شمال ساحل العاج وبنين وغانا.

وأكّد لودريان بهذا الصدد تصميم فرنسا على مكافحة الإرهاب “المنتشر في المنطقة بكاملها (…) مع كل الذين يريدون محاربته معنا”.

وذكرت مصادر متطابقة أن البحث جارٍ لإنشاء مركز قيادة فرنسي يشرف على أنشطة التعاون العسكري في غرب إفريقيا.

على صعيد إنساني قررت منظمة “أطباء من العالم” تعليق نشاطاتها مؤقتاً في غاو ومينيكا بشمال مالي بسبب انعدام الأمن المتزايد في هذه المناطق النائية والفقيرة حيث تعالج المنظمة آلاف الأشخاص.

وأفاد جيوسيبي رافا منسق المهمة بمالي الجمعة لوكالة الصحافة الفرنسية بتدهور خطير في الوضع الأمني في هذه المناطق حيث تنشط مجموعات مسلّحة سواء جهادية أو إجرامية، موضّحاً في اتصال هاتفي أن هذا التدهور “يمس السكان، لكنه بدأ في الأشهر الأخيرة يمس بشكل مباشر أكثر الطواقم الإنسانية”.

TRT عربي – وكالات
قد يعجبك ايضا