رضيع يقلب حياة زوجين بعد أن تركته أمه في تاكسي

55

59177_1_1393796359

حصاد نيوز – : غيرت صرخة رضيع، حديث الولادة على مقعد سيارة، مجرى حياة محمد عبدالرحمن صالح وزوجته، حيث نقلتهما من شقاء البؤس إلى حياة الأمل والمستقبل مؤقتا، بعد أن قررا احتضان طفل، يعوضهما أعوام الحرمان من نعمة الإنجاب.

ولأن الفرحة كانت مؤقتة، فإن محمد لم يتوقع، في البداية، أن تحول إجراءات قانونية وإدارية في وزارة التنمية الاجتماعية دون هذا الأمل، مبديا تخوفه من عدم تحقيق الحلم كاملا في احتضان الطفل.

ولأن القصة ذات بدايات مختلفة، فإن البداية الأولى نسجت فصولها حول “محمد”، الذي يعمل سائق تكسي في الزرقاء، والذي طرح قضيته حول احتضان الطفل، حيث سرد قصته بكثير من اللوعة والأسى.

يقول محمد: “في الثالث والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، استقلّت مركبتي سيدة منقبة، وبعد نزولها من السيارة بقليل، سمعت بكاء طفل، لأفاجأ بوجود رضيع حديث الولادة في الكرسي الخلفي للسيارة”.

ويتابع “محمد” المتزوج منذ سبعة عشر عاما، والمحروم من نعمة الإنجاب، “بداية سيطرت علي صدمة كبيرة، إذ لم أستوعب كيف تمكنت تلك السيدة من ترك طفل صغير وحده، وما هي إلا لحظات حتى شعرت بحب كبير ومسؤولية تجاه الطفل، وكأن الله رزقني طفلا من صلبي لأهتم وأعتني به”.

ويزيد: “ذهبت إلى منزل أخي، حيث رأت زوجتي الطفل، وبعدها توجهت فورا إلى مركز أمن الحسين، لتسليم الطفل، الذي أطلقت عليه لاحقا اسم “طارق”، وتم تحويله بعدها إلى مستشفى الزرقاء الحكومي، ومكث هناك فترة شهر كامل، في حاضنة الأطفال، كونه ولد قبل أوانه بعدة أسابيع”.

ويقول محمد: “خلال فترة وجود الطفل في المستشفى دأبت وزوجتي على زيارة الطفل بشكل يومي، وذلك بعد الحصول على موافقة من المركز الأمني، حيث وطدت تلك الزيارات المتكررة من علاقة الأمومة والأبوة بيننا وبين طارق”.

ونتيجة للارتباط العاطفي القوي، الذي نشأ بين زوجة محمد والطفل، بدأ الحليب يدر من زوجته، وتمكنت من إرضاعه على مدار ثلاثة أيام متتالية، خلال وجوده في المستشفى، وهو الأمر الموثق بورقة رسمية من مستشفى الزرقاء الحكومي، وبشهادة الممرضات العاملات في المستشفى.

علميا، يعتبر إدرار الحليب، بدون حمل أو ولادة، أمرا واردا، وينتج عادة عن زيادة في إفراز هرمون “البرولاكتين” لدى المرأة، ويرتفع هذا الهرمون عادة نتيجة لسببين، عضوي ويتعلق باضطرابات الغدة النخامية أو يحصل لأسباب نفسية، إذ إنه ونتيجة لأسباب عاطفية معينة يرتفع الهرمون لدى السيدة، وبالتالي تدر الحليب، وهو الأمر الذي يفسر المقولة الشعبية بأن “الحنية على الطفل تزيد من حليب الأم”.

وتقول الزوجة، التي فضلت عدم ذكر اسمها: “عندما أحضر زوجي الطفل إلى المنزل قبل تسليمه إلى المركز الأمني، شعرت وكأني أنا التي أنجبته، فبكيت بفرح، وحضنته ولم أرد أن أتركه، أنا لم أنجب من قبل، لكن مع طارق شعرت بالأمومة لأول مرة، لكن زوجي أصر على ضرورة تسليمه للمركز الأمني”.

وتتابع: “كنت أزوره كل يوم في المستشفى، فأحضنه بين ذراعي، إلى حين شعرت بأني قادرة على إرضاعه، وبقيت أرضعه ثلاثة ايام متتالية إلى حين تسليمه إلى مؤسسة الحسين الاجتماعية”.

وشكلت حالة الترابط الاستثنائية بين الطفل وأسرة محمد، استغرابا لدى العاملين في مستشفى الزرقاء، سواء من الأطباء أو طاقم التمريض، حيث تقول الزوجة: “شاهدت الممرضات يبكين من حولي عندما أرضعت الطفل، لا أستطيع ان أتخيل أنه سيعيش بعيدا عني، فهو ابني الذي حرمت منه”.

وتضيف: “رضاعتي للطفل لم تكن سرا، بل كانت تحت مرأى العاملين في المستشفى ورجال الأمن فيه”.

وتزيد: “ذهبنا برفقة الشرطة إلى مؤسسة الحسين لتسليمه، وهناك شعرت وكأن أحدهم انتزع قلبي، فتقدمنا بطلب مشاهدة لكن الطلب رفض”.

وتتابع: “رغم انطباق شروط الاحتضان على أسرتنا، وموافقة مديرية التنمية الاجتماعية في الزرقاء، على طلب الاحتضان وحصولنا على تطمينات بأننا سنحتضن الطفل بعد ثلاثة شهور من دخوله المؤسسة، نظرا لاستثنائية الحالة، لكننا فوجئنا الأسبوع الماضي برفض الوزارة طلب الحضانة”.

وتبين أن سبب الرفض يعود “لوجود 134 طلبا سابقا لطلبنا في الاحتضان، وأن عملية الاحتضان يجب أن تكون وفق الأقدمية بتقديم الطلب”.

وتقول الزوجة: “العاملون في الوزارة قالوا لنا، إنه يمكن لنا أن نحتضن طفلا آخر، وليس طارق”، مضيفة بحرقة: “أنا أريد طفلي الذي أرضعته، وتم أخذه عنوة مني، وأناشد كل ذي شأن أن يساعدني في استعادة طفلي”.

وتتابع: “أدرك أن هناك ترتيبا للأسر، وأن الأقدمية هي العامل الأساس، لكن هذه حالة استثنائية، وتتطلب استثناء خصوصا أن الطفل بات ابني بالرضاعة”.

أما محمد فيقول: “نحن نحترم القانون، وندرك أن التعليمات والأنظمة واجبة لتنظيم الحياة، لكن حالتنا إنسانية بحتة، والعارفون بتفاصيل القضية يدركون تماما أن أسرتنا هي المكان الأنسب لطارق، كما أننا بأمس الحاجة له، فنحن أسرة حرمت من ابنها”.

من ناحيته، يبين مدير الأسرة والطفولة في وزارة التنمية الاجتماعية محمود الجبور أن “محمد وزوجته بالفعل تقدما بطلب احتضان طفل للوزارة، لكن قرارا من هذا النوع يتطلب إجراءات قانونية وإدارية لضمان تحقيق المصلحة الفضلى للطفل والأسرة معا، فضلا عن وجود قوانين يجب الالتزام بها”.

ويقول الجبور: “نحن متعاطفون مع هذه الحالة، لكننا نتعامل ضمن القانون وليس العواطف”، موضحا: “بداية يجب أن يمضي على وجود الطفل في المؤسسة 3 أشهر، لحين التأكد من وضعه الصحي والقانوني، ومن عدم وجود مطالبة به من أسرته البيولوجية”.

ويزيد: “يوجد على قوائم الانتظار حوالي 134 عائلة، وبالتالي يجب التعامل مع هذه الحالات وفقا للقانون والتعليمات وليس وفق العواطف”، لكنه يستدرك قائلا: “هناك استثنائية لحالة الطفل طارق، خصوصا أن السيدة قامت بإرضاعه ولذلك تبعات”.

ويبدي الجبور استغرابه من سماح إدارة المستشفى للسيدة بإرضاع الطفل، معتبرا أن الوضع القانوني للطفل “لا يسمح بأن تقوم امرأة بإرضاعه، كما أن ذلك تسبب في بناء علاقة عاطفية مع الطفل، قبل وجود موافقة قانونية على الاحتضان”.

ويؤكد الجبور أنه “لغاية الآن لم يتم اتخاذ قرار قطعي بقضية تحضين الطفل للأسرة، لكن هذا الموضوع يجب أن يخضع لدراسات لجنة الاحتضان، وبعد قرار اللجنة يجب أن يكون الاحتضان بقرار من المحكمة”.

ويتابع: “عند البت بالقضية سيتم إخبار الأسرة المتقدمة بالطلب، سواء كان البت بالموافقة أو الرفض مع شرح الأسباب”.

وهكذا، حتى تبت الوزارة بأمر الاحتضان، يبقى محمد وزوجته كمن يكوى بالجمر، حيث تقول الزوجة: “أصلي كل يوم ليكون طارق في بيتي، أريد ان أضمه وآخذه الى الحرم المكي لأطوف به طواف العمرة”.

قد يعجبك ايضا