عطوان: تركيا و«لعنة» سورية.. واسرائيل قلقة

34

55608_1_1391417499

حصاد نيوز – بعد ثلاث سنوات من بدء الازمة السورية، وتطور الانتفاضة ذات المطالب المشروعة في الحرية والعدالة، وحقوق الانسان الى حرب طاحنة حول كرسي السلطة بين النظام والمعارضة المسلحة، بدأت دول كثيرة، تورطت في هذه الازمة تراجع مواقفها، وتبحث عن مخارج شبه مشرفة، بعد ان تبددت الآمال في اطاحة النظام في اسابيع او اشهر معدودة، نتيجة فشل الجانبين في الحسم العسكري، ونجاح حلفاء سورية، خاصة ايران وروسيا وحزب الله الى جانب صمود الجيش السوري في تغيير المعادلة على الارض لمصلحة النظام وبقائه.

تركيا كانت الدولة الاكثر تضررا من الازمة السورية حتى الآن، فقد تدفق على اراضيها ما يقرب من المليون لاجئ، بعضهم مقيم في معسكرات اغاثة، وبعضهم الآخر توزع في المدن التركية، ولكن ما هو اخطر من مسألة اللاجئين هو اهتزاز منظومة التعايش الطائفي ونجاح النظام السوري، بصورة مباشرة او غير مباشرة في تحريك الطائفة العلوية التي يزيد تعدادها على 15 مليون نسمة، وتأليب حزب العمال الكردستاني المعارض ضد المؤسسة الاسلامية الحاكمة، واقامة جسور قوية مع المعارضة وحزب الشعب الجمهوري على وجه الخصوص.

رجب طيب اردوغان ادرك جيدا ان “لعنة” سورية بدأت تطارده داخليا، وتهز اركان حكمه، وتقوض الوحدة الوطنية للشعب التركي، وتدمر سياسة “صفر مشاكل مع الجيران” ولذلك بدأ يتحرك بسرعة وهو الموصوف بدهائه وبراغماتيته لانقاذ حكمه وحزبه وبلاده.

ولعل انهيار العلاقة مع حليفه التقليدي فتح الله غولن الملياردير والداعية التركي المقيم في امريكا، وانفجار فضيحة الفساد التي تورط فيها ثلاثة وزراء في الحكومة، وتصاعد المظاهرات في حديقة غيزي وسط اسطنبول، سارعت كلها في تسريع عملية المراجعة التي نتحدث عنها.

السيد عبد الله غول رئيس الجمهورية التركية، الذي يتردد في الاعلام التركي انه بات يبتعد تدريجيا عن سياسة السيد اردوغان كان اول من قرع الجرس، وطالب بتغيير سياسة تركيا في الملف السوري، في اجتماع عقده في انقرة مع السفراء الاتراك في العالم قبل اسبوعين. صحيح ان الحزب التركي الحاكم اصدر بيانا نفى فيه ان يكون السيد غول يقصد التراجع عن دعم الثورة السورية، ولكن اية متابعة للسياسة التركية في المنطقة هذه الايام تؤكد تلك التصريحات ومعانيها الواضحة للعيان.

بداية التراجع في السياسة التركية تجاه الملف السوري بدأت بزيارة السيد اردوغان الى موسكو تحت عنوان اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة، ولقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لعدة ساعات، ثم ارساله وزير خارجيته محمد داوود اوغلو الى كل من بغداد وطهران حليفتي سورية، واستقبال محمد جواد ظريف وزير الخارجية الايراني في انقرة استقبالا حارا.

زيارة السيد اردوغان طهران الاسبوع الماضي ولقائه السيد علي خامنئي المرشد الاعلى للثورة الايرانية علاوة على السيد حسن روحاني رئيس الجمهورية ومسؤولين آخرين كانت ذروة السياسة التركية الجديدة، حيث جرى الاتفاق على زيادة التبادل التجاري بين الدولتين من 22 مليار دولار الى 30 مليار دولار، وزيادة واردات تركيا من الغاز والنفط الايراني، ولكن الاتفاق الحقيقي غير المعلن يتمثل في “تجميد” التوتر في سورية ومحاربة “الارهاب” وهذا اعتراف مباشر بالنظرية السورية، وخطر الجماعات الجهادية المسلحة.

القاعدة السياسية المتفق عليها تقول: ان التدخل في الازمات يتم بسرعة، لكن الانسحاب منها يأخذ وقتا طويلا، والدليل الابرز هو الانموذج الامريكي في كل من العراق وافغانستان، ولهذا لا نستطيع ان نتنبأ بتغيير تركي سريع تجاه الملف السوري، ولكنه لن يأخذ عشر سنوات مثلما هو حال امريكا في العراق، او 13 عاما مثلما هو حالها في افغانستان، لانه تدخل حذر، ومن دون قوات مثلما هو حال تركيا.

اقدام القوات التركية على قصف قافلة لتنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام قرب بلدة اعزاز في الشمال الغربي لسورية ردا على ما قيل انه اطلاق نار لقوات الدولة على سيارة عسكرية تركية، وتشديد الرقابة على الحدود واعتقال وتجميد ارصدة بعض الحسابات الاسلامية هو بداية تحول تركي مرشح للتصاعد خاصة بعد ان اكدت الاستخبارات التركية وجود اكثر من الف شاب تركي يقاتلون في صفوف تنظيم “القاعدة” ومنظماته على الارض السورية.

تداعيات الازمة السورية بدأت تمتد الى العمق التركي وتشكل عامل عدم الاستقرار، ولكنها لم تصل بعد الى مرحلة السيارات المفخخة والعمليات الانتحارية مثلما هي الحال في لبنان والعراق، وان كان هذا التطور يبدو قريبا وغير مستبعد.

استيلاء الجيش السوري الحر على مناطق محاذية لهضبة الجولان وخسارة النظام مواقعه في منطقة القنيطرة ووجود قوي لجبهة النصرة كلها توحي اننا بازاء تطور جديد قرب الحدود الاردنية يمكن ان يتحول الى منصة انطلاق لصواريخ وهجمات ضد اسرائيل على غرار ما حدث عام 1982.

الثلاث سنوات الاولى من الازمة السورية غيرت سورية ديمغرافيا وجغرافيا وعسكريا، والثلاث سنوات المقبلة قد تحدث تغييرات في دول الجوار السوري غير محسوبة، ونحن نتحدث هنا عن تركيا والاردن ولبنان والعراق وربما السعودية ايضا.

ليس من قبيل المصادفة ان يتحدث السيد اوغلو عن الازمة “الانسانية” في سورية وضرورة ايصال المساعدات الى المناطق المحاصرة، وهو الذي يردد دائما ان ايام الاسد باتت معدودة، وليس مصادفة ايضا ان تؤكد دراسات عسكرية اسرائيلية ان اسرائيل ستكون الخاسر الاكبر ايا كانت نتيجة الصراع في سورية.

هل نقول ان السحر بدأ ينقلب على “السحرة” جميعا في سورية؟ نتريث قليلا وننتظر.

*رئيس تحرير صحيفة “راي اليوم” الالكترونية ـ

قد يعجبك ايضا