الملك يستشرف ما بعد “كورونا” تمهيدا لمستقبل مزدهر

67

حصاد نيوز – منذ بدء جائحة كورونا، استشرف جلالة الملك عبدالله الثاني لمستقبل العالم وسبل العيش والمساعدة في التعافي ما بعد الجائحة، تمهيداً لطريق متعاف وأكثر شمولية واستدامة ومتانة، ووضع الأسس لمستقبل أفضل.

ويلمس المتابع لخطابات جلالته في المؤتمرات واللقاءات الدولية عام 2020 اهتام جلالته بقضايا العولمة والامن الغذائي والزراعة الحديثة، والصناعات الطبية، واهمية الموازنة بين ضرورتي الصحة والاقتصاد.
فقد أكد جلالته في اكثر من مناسبة أن “فرص النجاح في مواجهة فيروس كورونا ستتضاعف عندما تعمل الدول بشراكة لبناء القدرات والتركيز على التعاون بين الدول، ووضع سلامة البشرية بأكملها على رأس الأولويات عوضاً عن التنافس”.
ودعا جلالة الملك، في بداية الجائحة إلى عالم أكثر تكاملاً وإعادة ضبط العولمة لتعزيز التعاون بين الدول، مبيناً ان هذا التعاون والتكامل “هو السبيل الوحيد للوصول إلى اعتماد إيجابي متبادل بين مختلف البلدان، يستثمر في المهارات والموارد عبر الحدود”.
واشار جلالته الى ان “ضبط العولمة سيمكّن العالم من تسريع إيجاد الحلول وسد النواقص من معدات ومواد طبية في كل بلد”، مبيناً انه “في المحصلة، سنكون أقدر على تحمل مسؤوليتنا كمجتمع دولي، وبما يكفل حق الحصول على لقاح ضد هذا الفيروس لكل فرد، في كل بلد وكل قارة، حين توفره بشكل عادلٍ ومتساوٍ”.
وانبرى جلالته منذ بداية مواجهة العالم لجائحة كورونا، كزعيم وقائد عربي مخاطبا العالم لـ “الاستفادة والاتعاظ من هذا الحدث الذي غيّر معالم كل شيء في العالم، وأوقف وعطل كل البرامج والخطط بل وجميع الحسابات، في جائحة لم تسلم دولة في العالم من تبعاتها صحيا أو اقتصاديا أو حتى اجتماعيا”.
الدعوة الاولى من قبل جلالة الملك عبدالله الثاني كانت مطلع نيسان (ابريل) الماضي حين شارك جلالته أربعة من قادة العالم في مقال مشترك في صحيفة “فايننشيال تايمز” البريطانية دعوا خلالها إلى “تحالف عالمي لمواجهة كورونا”، مؤكدين في الوقت ذاته أن “لا وقت للمعارك الجيوسياسية”.
الخطاب اتسم بالحكمة والحنكة المعهود بهما جلالته، اذ دعا العالم إلى عولمة جديدة؛ عولمة صحيحة، تعود بالفائدة على البشرية جمعاء، وليست عولمة القطب الأوحد، “لأن القطب الأوحد، أو الدولة الواحدة لم ولن تستطيع إيجاد حل لها ولا لغيرها في مواجهة هذه الجائحة”.
ويكرر جلالته التأكيد والتذكير بشكل مستمر ما ذكره والقادة الآخرون في مقالة (الفايننشيال تايمز) بضرورة وضع الخلافات جانبا، وان ندرك أن خصومات الأمس لم تعد تعني شيئا في مواجهة هذا التهديد المشترك. كما تنبأ جلالته في تصريحات له عام 2019 بمحاولات اسرائيلية لضم الاغوار، وبالفعل كان حدث ضم الاغوار الذي طرحته إسرائيل احد ابرز الملفات السياسية التي حذر منها جلالته كونها امتدادا لصفقة القرن.
وكانت الحكومة السابقة أكدت على لسان وزير الدولة لشؤون الاعلام السابق أمجد العضايلة، أن الأردن سيكون له رد إذا نفذ الاحتلال الاسرائيلي قرار ضم أراض فلسطينية، وأن الدولة الأردنية ستنشط وعلى اعلى المستويات باتصالات مع قادة العالم ووزراء الخارجية العرب والاتحاد الاوروبي، لحشد موقف دولي يمنع إسرائيل من تنفيذ قرارها بضم ثلث دولة فلسطين المحتلة.
وواصل الأردن اتصالاته المستهدفة بلورة موقف دولي يحول دون تنفيذ قرار الضم هذا، والعمل على ايجاد أفق حقيقي لإطلاق مفاوضات فاعلة لتحقيق السلام العادل على أساس حل الدولتين ووفق القانون الدولي، مستندا الى توافق عربي ودولي في هذا الاطار.
الأردن نجح في ايصال رسالته الى دول أوروبية مثل فرنسا وبلجيكا وألمانيا وأستونيا وبولندا، والتي اكدت الشهر الماضي في جلسة لمجلس الامن الدولي حول الحالة في الشرق الأوسط بما في ذلك القضية الفلسطينية، عدم اعترافها بأي تغيير تجريه إسرائيل على حدود ما قبل الخامس من حزيران (يونيو) 1967.
جلالته شارك في اكتوبر الماضي، في حوار “بورلوغ” الدولي، الذي تنظمه مؤسسة جائزة الغذاء العالمية، لمناقشة آليات تطوير قطاع الزراعة والتصنيع الغذائي، وألقى عبر تقنية الاتصال المرئي، الكلمة الرئيسية في اليوم الختامي للحوار، قال فيها ان “جائحة كورونا أثرت بشكل كبير على النظم الغذائية التي نعتمد عليها، إلا أن عدداً من التحديات الخطيرة التي تواجه الأمن الغذائي كانت موجودة من قبل، كالتغير المناخي، وشح المياه الصالحة للشرب حول العالم، والأزمات الاقتصادية العالمية، والاضطرابات الإقليمية، وأزمة لجوء عالمية غير مسبوقة، ألقت بظلالها على الإمدادات الغذائية للاجئين والمجتمعات المستضيفة، على حد سواء، وهي تحدٍ يعرفه الأردن جيدا”.
واعاد جلالته خلال الكلمة الدعوة إلى إعادة ضبط العولمة، أي “تعزيز العمل العالمي المشترك، لمنفعة الجميع، والتركيز على روح الابتكار التي يتطلبها المستقبل”، مبينا ان من شأن إعادة ضبط العولمة، أن “تساعد على توجيه الموارد العالمية، وفقا لما تقتضيه الحاجة، لدعم قطاعات محورية، كالبنية التحتية الزراعية”.
ودعا جلالته الى دعم الأفكار المتقدمة في مجالات الإنتاج، والتزويد، والتخزين، وتبادل الخبرات، “ففي الوقت الذي يتم فيه استثمار الكثير من الموارد في التسلح، دعونا نجعل صحة الشعوب على رأس الأولويات؛ إذ لا بد من دعم المزارعين في البلدان النامية، ليتمكنوا من الحصول على التمويل والتدريب بشكل أفضل، ويخدموا مجتمعاتهم، ولنسخّر الحلول التي توفرها التكنولوجيا الجديدة في مجال الزراعة لتنويع المحاصيل، وإنشاء شبكات أمن غذائي متينة”.
وشدد جلالته على أن مفهوم الأمن الغذائي والحياة الكريمة التي يمكن أن يوفرها، راسخ في تاريخنا في منطقة الشرق الأوسط، “فقبل حوالي عشرة آلاف سنة، شهد إقليمنا انطلاق أول ثورة زراعية، حين بدأ الإنسان بزراعة المحاصيل والتجارة بها، وتلك الشعوب آنذاك، في منطقتنا وغيرها، كانت تسعى لتطوير الأساليب التقليدية، وساهمت بابتكاراتها في تمكين البشرية من التطلع إلى المستقبل. واليوم، علينا أن نعمل بنفس الجرأة، وأن ننظر إلى مستقبلنا بعيون جديدة”.
كما دعا جلالته في مناسات عديدة الى تطوير قطاعات صناعية أثبتت وجودها وقوتها خلالأزمة “كورونا”، حتى “تكون المملكة مركزا إقليميا لهذه الصناعات، مثل التصنيع الغذائي، والتصنيع الدوائي، والمستلزمات الطبية، والزراعة المتطورة، كونها أثبتت وبحسب مختصين، قدرتها على تغطية متطلبات واحتياجات السوق المحلية والتصدير إلى الخارج”.
وبينما تعطلت عجلة الإنتاج والتصدير في عديد البضائع خلال جائحة كورونا، انتعشت صادرات الصناعات الدوائية بالتحديد، إلى جانب المستلزمات الطبية، كالألبسة الواقية والكمامات والمعقمات.
وأكد جلالته في عديد اللقاءات المحلية والدولية ان “ما يميّز الأردن اليوم قدرته على مساعدة دول كثيرة، من خلال تقديم الأدوية والمعدات والمستلزمات الطبية”، لافتاً إلى أن هناك ارتياحاً لموقف الأردن المساند للجهود الدولية في مكافحة كورونا، وهذا أعطى أفضلية للمملكة من ناحية رغبة الجميع في مساعدتنا.
وفي تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي وخلال مشاركة جلالته في اعمال قمة العشرين، أكد جلالة الملك “ضرورة التصدي للتداعيات العالمية الإنسانية والاقتصادية لجائحة كورونا، خصوصاً في مجالات حيوية كالأمن الغذائي، والفقر، والبطالة، والتعليم”.
ولفت جلالته إلى ضرورة العمل لضمان التوزيع العادل والفعال للقاحات كورونا لتكون متاحة للجميع، مؤكداً أن “قطاع الصناعات الدوائية في الأردن على أهبة الاستعداد للمساهمة في هذه المهمة”.
محلياً، لطالما كانت دعوات جلالته للحكومة للعمل على المواءمة بين إجراءات المحافظة على الصحة العامة وعدم تضرر القطاع الاقتصادي لتجاوز الآثار الناجمة عن أزمة فيروس كورونا المستجد، وأهمية تعافي الاقتصاد من تلك الاثار بأقصى سرعة ممكنة من اجل حماية المواطن الأردني.
قد يعجبك ايضا