معلومات ‘أمنية’ للأردن ،،، ومطالبات بتكثيف الضمانات لعدم عبث إيران بالساحة الأردنية
حصاد نيوز – بسام البدارين
يمكن ببساطة تلمس ذلك الرابط السياسي الخفي بين خطاب الرئيس الإيراني حسن روحاني في منطقة الأهواز أمس الأول وبلسان عربي فصيح يستند الى قصائد شاعر بحجم المتنبي وبين مفردات الود والمجاملة التي أغرق فيها وزير الخارجية الإيراني محمد ظريف مع عناصر التهدئة والدبلوماسية في خطابه خلال جولته المهمة جدا على عواصم المنطقة العربية.
الإنطباع الذي يستنتج من هذا الربط يشير بوضوح الى أجندة إيرانية تهدف مرحليا ليس فقط للتهدئة مع بعض أركان النظام الرسمي العربي ولكن أيضا تهدف بالمقابل الى مخاطبة الشارع العربي قدر الإمكان.
وهي مسألة تحدث عنها بوضوح مستشارون استراتيجيون رافقوا الوزير ظريف في جولته الأخيرة من بينهم وأبرزهم أمير موسوي المسؤول في أبرز مراكز الدراسات الإستراتيجية في طهران.
غرق ظريف في التفاصيل الداخلية في بيروت وبارك في بغداد حملة رئيس الوزراء نوري المالكي ضد ما يسمى بالإرهاب وفي عمان استخدم الدبلوماسي الإيراني شعارا أساسيا لمحطته يتمثل في ‘التقارب’ لأكبر مسافة ممكنة.
لاحقا غادر ظريف الى دمشق قبل مغادرتها وفقا لبرنامجه الى موسكو.في الطريق برزت العديد من التفاصيل التي تظهر حجم ومستوى القراءة الإيرانية للدول الأساسية في المنطقة مرحليا عبر سلسلة من اللقاءات الدبلوماسية والرسمية والإستشارية وعبر تلك الإستشعارات التي يمكن التقاطها من ثنايا جولة ظريف وتحديدا في العاصمة عمان.
ما تسرب لـ ‘القدس العربي’ في السياق يشير الى رؤية مرنة عند الإيرانيين عندما يتعلق الأمر بالمشهد المصري تحديدا حيث نقل عن ظريف تقديره بأن طهران تميل الى التعامل مع ما سماه ‘الأمر الواقع في مصر’بالتلازم مع الإستغراب من جرعة الإنفعال غير المسيسة التي أظهرتها جماعة الأخوان المسلمين.
ظريف وبوضوح اعتبر سياسة القبول الإيراني بالجنرال عبد الفتاح السيسي محاولة للتقارب مع أطراف معتدلة في النظام العربي المعادي لها مثل الإمارات والأردن بالتوازي مع جرعة انتقاد بين السطور لأداء الأخوان المسلمين وخطابهم السياسي دون إسقاط الإشارة الى الخطاب الشهير للرئيس المخلوع محمد مرسي الذي دعا للجهاد في سوريا.
بالنسبة للسعودية يقرأ الإيرانيون المشهد على أساس أن الأداء السعودي ‘مأزوم’ ومرتبك لكنه مؤهل للتنازل نسبيا عن درجة العداء تجاه إيران خصوصا عندما يتعلق الأمر بالإتفاق النووي الدولي الشهير وبنقطة محددة تتمثل في عمل السعودية المضني لمنع إيران من الجلوس على طاولة جنيف 2.
هنا حصريا قدم ظريف رسالة للأردنيين باعتبارهم أصدقاء السعودية تنصح بتخفيف العداء لإيران والتحشيد الطائفي لأن جميع الأطراف تخسر بسببه كما قال ملمحا إلى أن الوضع الداخلي في السعودية غير مريح والخلافات متصاعدة حتى بين نخبة من كبار الأمراء وأن طهران لا تسعى إطلاقا لاستغلال ذلك.
توقع ظريف أن تحصل المنطقة على جرعات هدوء أكبر في الأيام المقبلة بعدما تصبح السعودية أكثر قدرة على هضم الواقع الموضوعي وبعدما يقف تحديدا الأمير بندر بن سلطان وصقور العائلة على محطة واشنطن متلمسا تغييرا طفيفا في اللهجة السعودية لا بد من تطويره مبديا استعداد طهران لإظهار حسن النوايا وإقناع السعودية بأنها لا تسعى للعبث في معادلة المجتمع السعودي.
بالنسبة للسعوديين وكذلك لبعض الأردنيين ومن بينهم وزير الخارجية ناصر جودة كلام ظريف الناعم مغرق بالدبلوماسية خصوصا عندما يتعلق الأمر بالخليج والحليف السعودي لكن الحاجة تبقى دوما ملحة للإنتباه من لعبة دبلوماسية مضللة تعكس موازين انتصار القوة الدبلوماسي الذي تشعر به إيران حاليا.
وضمن قراءة الوفد الإيراني برئاسة ظريف لا مجال للثقة كثيرا بدولة قطر التي يراقب الإيرانيون كما قال نعومتها الدبلوماسية معهم وعندما يتعلق الأمر بدولة مثل الامارات تجد طهران أن الموقف الإيراني من ملفاتها مثير للإعجاب ويعكس مستوى التعقل ويتميز بالنضوج لأنه ينطوي على جرعة دبلوماسية يمكن لطهران التعاطي معها بحسن نية. الإيرانيون اعتبروا مواقف أبو ظبي نموذجية في حساباتهم واستفسروا عن سر وخلفيات التعقل الإماراتي وعن أسرع وأفضل الطرق لإسقاط النموذج الإماراتي في التعاطي مع إيران على بقية منظومة الخليج.
في لبنان ولإظهار سعي طهران للمساعدة في مسألة حل الإستعصاء الداخلي وإظهار عدم صدور’فيتو’ منها على تشكيل حكومة دعت السفارة الإيرانية جميع الفرقاء لعشاء سياسي تقاربي وتصالحي مع ظريف.
هنا لوحظ حضور وليد جنبلاط وحزب الكتائب وغياب بدون اعتذار لسمير جعجع لكنه غياب لم يمنع المصارحة تحت عنوان بند واحد على جدول أعمال العشاء هو حصريا : كيف نشكل الحكومة المقبلة؟.
في الأثناء التقى ظريف بالأمين العام لحزب الله حسن نصر الله وفي هذا اللقاء الذي شكل جلسة مغلقة بين المسؤول الإيراني وأهم حلفاء بلاده في المنطقة ولبنان نوقشت بصراحة أولويات المرحلة في ظل المستجدات خصوصا على الساحة السورية وعلى صعيد تفاهمات إيران الضمنية مع واشنطن.
التوجيه الإيراني أو الإرشاد الذي تلقاه حزب الله تمركز في ضرورة إبداء حزب الله لأقصى درجة ممكنة من المرونة في التعاطي مع ملف تشكيل الحكومة المقبلة مع تحديد بوصلة الأولويات في مرحلة ما بعد جنيف 2 والتأكيد على أن إيران ترغب وبوضوح بعدم إعاقة الأوضاع الداخلية في لبنان. بالنسبة للشيخ نصر الله تحدث عن سياسية الإمتصاص والإحتواء بالرغم من تعرض الضاحية الجنوبية لتفجيرات إرهابية وشخصيات في الحزب لحملة إغتيالات.
نصر الله أبلغ ظريف أن الحزب قرر اسراتيجيا عدم التورط بردود الأفعال وعمل على احتواء الحرب المعلنة ضده من قبل تنظيمات جهادية ممولة من السعودية وأن احتياطات أمنية خاصة وطارئة اتخذت لحماية مقرات ورموز الحزب.
نصر الله تحدث أيضا عن فلسفة التواري والإختفاء قليلا من الميدان داخل سوريا على المستوى القتالي في المرحلة المقبلة، وظريف حذر الحزب من محاولات إسرائيلية عبر الحدود للعبث بمجمل كل التفاهمات والتحالفات في المنطقة .
خلال توقف ظريف في بغداد قدمت طهران لحليفها المالكي إسنادا قويا لخطته في مواجهة ما تسميه بالإرهاب وطلبت منه في السياق البقاء على اتصال مع الأردن وحتى مع مؤسسات وشخصيات سعودية أظهرت إهتماما بالمشاركة تحت ضغط أمريكي في الحملة التي شهدتها الأنبار مؤخرا.
وفي عمان التقى مرافقون لظريف بشخصية أمنية رفيعة المستوى قدمت خلال هذا اللقاء معلومات إيرانية ذات بعد أمني على أمل أن تشكل هذه البادرة حسن نوايا من قبل طهران تجاه عمان.
في غضون ذلك ركز ظريف عندما التقى النسور وجودة على فكرة قوامها أن بلاده ترى لها مصلحة وللمنطقة برمتها مصلحة في بقاء الأردن آمنا مستقرا وبعيدا عن الجماعات الجهادية والتكفيرية مع تكثيف الضمانات بأن طهران لا تسعى إطلاقا للعبث في الساحة الأردنية.