ترتد إلى أذهاننا ثورة نيسان 1989 كلما رأينا مثل هذه الصور التي أصبحت مألوفة في المجتمع الأردني ، ويبدو إن الحكومة تسعى جاهدة الى استنساخ تلك الثورة التي تفجرت بسبب رفع أسعار الخبز عبر البناء التراكمي للقمامة ،والاستفادة من محتوياتها لتحقيق الإطعام الكافي للأغلبية المعدمة المجاورة للمناطق الراقية .
بعد ربع قرن لم تنطفئ ثورة نيسان ،ولا تزال جمارها تتلظى تحت الرماد .ورئيس الوزراء الدكتور عبدالله النسور على وشك إصدار قرار يزداد وضوحا يوما بعد يوم لرفع أسعار الخبز تسديدا لفاتورة الفساد، ويدفع إلى الرغبة في العصيان وإنضاج الرفض ، وهو بصدد استدعاء تمرد شعبي حالك السواد ،واضعا بذلك مؤسسة الحكم في مرمى نيران ثورة عارمة كتلك التي تعاني منها سوريا الآن .
لقد نفذ صبر الأردنيين إزاء تدمير الرئيس لمصادر رزقهم ،ولا زالت السلطة التنفيذية تعبث بالأمن وتلهو بلعبة التغيير الوزاري ،وتقوم بتنمية حاويات القمامة لتعزيز احتياجاتها المستدامة، وتوفير فرص عيش مستحدثة للأردنيات الفاضلات ،ومع الاقتراب من رفع أسعار الخبز ستشدد الحكومة – حسب الصور- على أهمية الاستفادة من المزابل المنتشرة في المملكة الأردنية الهاشمية ،وتوفير فرص إطعام جديدة ،وتوسيع شريحة المواطنين و المجتمعات المحلية المستفيدة منها.
نجت الحكومة من تداعيات قرارات رفع الأسعار الأولى لكن (مش كل مرّة تسلم الجرّة ) ، فرئيس الوزراء يحث الخطى لتوطين الفاقة والحرمان، ويتعجل – حسب الصور – باستدعاء الثورة ،ولا زال يدّعّ اليتيم ولا يحض على طعام المسكين ،وأمعن بمطاردة الفقراء ،ولا يجد صعوبة برفع الأسعار وتعزيز دوره في صناعة الظاهرة ، وهو يعي جيدا مشكلة نقص التمويل التي تعاني منها العائلة الأردنية ، ويدرك التوجه المجتمعي في الاعتماد على التغذية من الفضلات كما تظهر الصور بالتزامن ازدياد شدة المطالبة بالاصلاح والتغيير يوما بعد يوم .وربط المسيرات والاعتصامات باحتياجات العيش .
كفاية يا رئيس ….لقد طال أمد الفقر في المحافظات والمواطنون جياع ،وأنت لا تتيح لهم أية فرصة لسد الرمق، وانك لتعلم ان مجموعة التحديات التي تواجه المواطن ضاعفت الزيارات أليوميه المنتظمة لاماكن تجميع الفضلات ،وأصبحت مشغولة -حسب الصور – ويؤمها الفقراء في كافة أنحاء المملكة الأردنية الهاشمية في رحلتهم اليومية المليئة بالبؤس والشقاء.
بطاقة الخبز ظالمة ،وهناك شريحة كبيرة من الفقراء في الأرياف النائية والبادية لن تستفيد من البطاقة الذكية ،إما لبعد المخابز أو عدم توفرها ،وإما لأنها اعتادت على إعداد الخبز منزليا باستخدام الأفران والصاج والطابون، إضافة إلى إن العمالة الوافدة التي تشكل الأغلبية العظمى من الأجانب ستلجأ الى رفع أجورها ،وسيتبعها ارتفاع سعر كل السلع وخاصة الزراعية والإنشائية ،بدليل ان قرار رفع أسعار الكهرباء أدى لزيادة أجور المستشفيات الخاصة ،وهذا غيض من فيض والبقية ستأتي تباعا .
من الآخر ؟… رئيس الوزراء وّرط النظام وأصبح يشكل مصدر الخطر الرئيسي على مؤسسة الحكم ، وقد أتم أركان الثورة ووفر أسبابها وشروطها الأساسية ،ومنشغل الآن بوضع اللمسات الأخيرة لاستنساخ هبة نيسان جديدة ،وقد أثبتت التجربة ان مثل هذه الصور المستدامة التي شاع نشرها هذه الأيام، كثرت قبيل الهبة نتيجة الطلب الشعبي على مخلفات الطعام كموارد محلية في كل المحافظات فاشتعلت ثورة 1989.