حصاد نيوز– قبل بضعة أشهر مضت، بادر النائب مفلح الرحيمي الى الإعلان عن نيته الترشح في انتخابات رئاسة مجلس النواب بالرغم من أن الفاصل الزمني بين ذلك الإعلان الشخصي للرحيمي والاستحقاق الدستوري كان كبيرا لدرجة أن إعلان الرحيمي المبكر جدا لم يأخذ صداه سواء في وسائل الإعلام أو في مجلس النواب.
وقيل في حينه إن اعلان ترشح الرحيمي الذي يحتفظ بكرسي نيابته عن محافظة جرش منذ 21 سنة مضت جاء في إطار قياس وجهات النظر والمواقف من احتمال ترشحه مستقبلا، لكن الأهم الذي كان خفيا هو قياس مواقف النواب من رئيس المجلس الحالي المهندس عاطف الطراونة، ومدى رغبة النواب بدعمه في جولة الانتخابات المقبلة التي ستجري في مستهل جلسات مجلس الأمة في الدورة العادية الثانية التي ستنطلق مطلع شهر تشرين الثاني المقبل.
وبالرغم من أنه تم التسجيل للنائب الرحيمي قصب السبق بفتح السباق لرئاسة مجلس النواب مبكرا جدا، إلا أن رئيس مجلس النواب الحالي المهندس عاطف الطراونة فهم المغازي والدوافع وراء اعلان الرحيمي مبكرا ليذهب للعمل في سياق آخر
مضاد كانت أبرز سماته السرية المطلقة والعمل وفقا لقاعدة الاتصال الفردي مع النواب إما لتقوية جبهة مناصريه واما لمعرفة إلى أي مدى يمكنه النجاح في إحراز اختراقات في جبهات بدأت تتشكل ضده وتحت القبة، وعبرت عن نفسها بطرق شتى كان من أبرزها توجيه سلسلة طويلة من الانتقادات الموجهة إليه مباشرة من العديد من النواب كانت تستهدف بالدرجة الأولى إضعاف رئاسة المجلس الممثلة بالطراونة لتسهيل الانقضاض عليه لاحقا حين يصبح الفرز الانتخابي مطلبا واقعا.
وفي جلستين متباعدتين زمانيا تلقى رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة نصائح مباشرة من زملاء صحافيين طلبوا منه العمل بسرعة على بناء جبهته الانتخابية من خلال الانفتاح على النواب فرديا، وادامة التواصل مع كل أطياف المجلس كتلا وأفرادا، لأنه بحاجة للعمل مبكرا على استعادة الأصوات التي هاجرت من جبهته الانتخابية ولم تعد معنية بالاصطفاف معه في الانتخابات المقبلة.
كانت تلك النصيحة التي تكررت في لقاءين متباعدين زمانيا بينه وبين الزملاء الصحافيين تستند إلى مشاهدات وتحليلات خاصة بهم دفعتهم للاعتقاد بأن من يتعرض له الطراونة من تحشيد مبكر جدا لعدم التجديد له لرئاسة ثانية أصبحت حقيقة واقعة على الأرض، ويجب توجيه اهتمامه إلى تلك الجبهة المؤثرة التي تريد إزاحته، وحمل مرشح آخر بديل يقود المجلس لدورة عادية تستمر سنة كاملة بموجب النص الدستوري.
وفي الاجتماعين اكد الطراونة على وعيه التام لما يجري في المجلس تجاهه مؤكدا على انه بدأ بالفعل العمل في اتجاه الاتصال الفردي مع النواب، وبأنه سينشط خلال الفترة المقبلة، وسيحقق نجاحا يعتقد أنه يملكه.
كان ذلك منذ أشهر قليلة مضت، وبقي الحراك النيابي الانتخابي يتخذ أشكاله المتعددة، بدءا بإعادة فك وتركيب الكتل البرلمانية، وانتهاء باتساع مساحة الراغبين في الدخول إلى حلبة الانتخابات والمنافسة على كرسي الرئاسة، وحتى يوم امس فإن ستة مرشحين محتملين للمنافسة على كرسي الرئاسة سيجعلون من مهمة كل منهم في غاية الصعوبة في حال استمروا بالتمسك بالترشح لرئاسة المجلس ولم ينسحب أحد منهم.
وبالرغم من أن المعطيات تشير إلى أن احتمال استمرار المرشحين الستة وهم اضافة الى الطراونة مفلح الرحيمي، أمجد المجالي، حازم قشوع، وأمجد مسلماني، وحديثه الخريشا سيبقى بعيد الاحتمال فإن مجرد الإعلان عن هذا العدد من المرشحين لكرسي الرئاسة يكشف عن مدى الرغبة الشخصية عند كل منهم ليكون في بؤرة الإعلام وبؤرة الاهتمام وبؤرة الاستقطاب خلال الفترة القليلة الفاصلة بيننا وبين موعد انتخابات رئاسة المجلس.
ومن الملاحظ أن معظم تلك الترشيحات بدأت بشكل فردي ثم تم جر الكتل النيابية إلى ذلك على نحو ما جرى مع النواب مفلح الرحيمي “كتلة جبهة العمل الوطني”، وحازم قشوع”كتلة الإصلاح”، وامجد المجالي “كتلة النهضة”، في حين اعلن النائب أمجد المسلماني ترشحه مستقلا، ولا يعرف فيما إذا كان النائب حديثه الخريشا سيترشح مستقلا أم باسم كتلته” الاتحاد الوطني”.
ومن المؤكد أن خارطة الترشيحات هذه هي مجرد خارطة طبوغرافية فقط لن تصمد طويلا أمام الفترة الزمينة الفاصلة بيننا وبين اليوم الثاني من شهر تشرين ثاني المقبل، فثمة تغييرات كبرى في المشهد الانتخابي قد تحدث خاصة إذا ما قرر النائبان عبد الكريم الدغمي وسعد سرور الترشح مجددا، لأن دخولهما على خطوط المنافسة سيعيد ترتيب أوراق المشهد الانتخابي برمته.
وبالرغم من ان النائبين الدغمي وسرور لم يعلنا او يشيرا من قريب أو بعيد إلى احتمال ترشحهما إلا انهما لا يزالان حاضرين بقوة في المشهد الانتخابي الذي كان اكثر من ساخن جدا، وثأري جدا عندما تنافس النواب الثلاثة السرور والدغمي والطراونة على رئاسة المجلس في الدورة العادية الماضية، وتحالف الطراونة والدغمي معا لإسقاط السرور ليفوز الطراونة بعد انسحاب الدغمي لصالحه في حركة بدت نبيلة للغاية لكنها كانت ترتكز على قراءة أكثر من دقيقة أو سريعة للنتائج المحتملة أمام الدغمي في حال استمر بالمنافسة ومواجهة الطراونة ليدرك الدغمي أن استمراره في المنافسة سيحرمه متعة الانتصار السريع في معركة حقق فيها كل مبتغاه من المنافسة بازاحة السرور عن سدة الرئاسة.
أما اليوم فيبدو المشهد في غاية الاختلاف، فثمة مراكز قوى صاعدة، ومراكز قوى لم تعد معنية تماما بالصراع على كرسي الرئاسة، ومراكز قوى تراجعت للخلف وتحديدا إلى خط الدفاع الأول وليس في خط المواجهة من أجل بناء صفقات تطمح من خلالها الحصول على مقاعد ثانوية تقف خلف الرئيس وعن جنبيه مكتفية بتلك الغنيمة بدلا من خوض مواجهة محكومة سلفا بالخسارة.
هذا المشهد يمنح الآن رئيس مجلس النواب الحالي المهندس عاطف الطراونة فرصة أوسع للتجديد له رئيسا لدورة عادية ثانية، إلا أن فرصته ستبقى مهددة في حال بناء تكتل انتخابي ضاغط، وفي اللحظة الأخيرة يجعل من فرص الطراونة مجرد طموحات تعبث بها رياح الثأر تحت شعار التغيير.