حصادنيوز – بقلم : نادية إبراهيم نوري – أمضى العلماء عقودًا طويلة في دراسة وتصنيف الحيوانات والطيور، محاولين فهم سلوكها وطبيعتها ومقارنتها بالإنسان. وقد تعددت النظريات حول ما يميز الإنسان عنها؛ فقال البعض إن الإنسان “حيوان ناطق”، غير أن هذه المقولة فُنّدت، إذ أثبتت التجارب أن بعض الحيوانات يمكنها، مع التدريب، نطق كلمات محددة.
وقال آخرون إن الله خصّ الإنسان بالعقل، لكن هذه الفكرة أيضًا وجدت من يعارضها، بعدما اكتشف العلماء أن بعض الكائنات، بل حتى الحشرات، تمتلك قدرًا من التفكير والتنظيم يفوق التوقعات. فقد أدهشتهم دقّة النمل في البناء والتعاون، ونظام الغربان الذي يشبه المحاكم والعقوبات، بل وجدوا أن بعض الطيور مثل الهدهد والبط لا تتخذ شريكًا جديدًا بعد فقدان زوجها، وفاءً وإخلاصًا نادرين.
كما لاحظ العلماء أن الذئب –على عكس سمعته– يتصف بالبر، إذ يرعى والديه حين يبلغان من العمر ما يجعل الصيد عسيرًا عليهما، فيصطاد لهما ويطعمهما بإخلاص.
ومع كل هذه الملاحظات، خلص العلماء إلى أن الفرق الحقيقي بين الإنسان والحيوان هو الوعي بالتاريخ؛ فالإنسان وحده من يتعلم من تجاربه وتجارب أسلافه، ومن يدوّنها ليتناقلها عبر الأجيال. ولذا قيل: “لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين”. أما الحيوان، فمهما تعرّض للخطر، يعود إلى نفس المكان ليرتكب الخطأ ذاته من جديد.
ومن بين القصص العجيبة في عالم الطيور، قصة العصفور الصغير مع طائر الوقواق الخبيث، الذي يجسد الخداع في أنقى صوره. فأنثى الوقواق لا تبني عشًّا خاصًا بها، بل تترصد عش طائر آخر، وحين يغيب صاحبه، تضع بيضتها فيه بعد أن تتخلص من إحدى بيضات العصفور لتخفي جريمتها. ثم ترحل مطمئنة، تاركة مصير بيضتها بين جناحي أمٍّ مخدوعة.
وعندما تفقس البيضة، يُظهر فرخ الوقواق خُبثه منذ اللحظة الأولى، فيلقي ببيض العصفور أو فراخه خارج العش واحدًا تلو الآخر، حتى ينفرد برعاية الأم التي لا تشك لحظة في أنه ليس ابنها. تظل تطعمه وتحميه وتدرّبه على الطيران حتى يقوى ويغادر، لتبدأ دورة جديدة من الاحتيال والاستغلال.
والأغرب من ذلك أن العصفورة لا تتعلم الدرس، فلا تلاحظ ما فُقد من بيضها ولا تتفكر في مصير صغارها، بل تواصل الحضانة والرعاية بنفس الطيبة التي جعلتها فريسة سهلة.
وفي المقابل، نجد أن الإنسان –رغم ما في بعضه من أنانية وغدر وسرقة لمجهود الآخرين– يظل قادرًا على التعلم والمقاومة. قد يفشل، لكنه لا يستسلم، لأنه يملك ذاكرة تاريخية ووعياً يرشده إلى تجاوز الأخطاء وتكرار المحاولة. وهنا يكمن سر تفرّده وكرامته بين المخلوقات