لكن الأهم في الرسالة السياسية وراء مثل هذه العبارة هو توجيه إتهامات بصفة رسمية تتضمن العمل على تحصيل إدانات قضائية بتهم من طراز الإضرار بعلاقات مع دول شقيقة وصديقة وهي تهمة كانت تبرمج بالعادة على مقاس دول الخليج والعراق في بعض الأحيان ضد السلفيين الطامحين بالجهاد.
يقول العبدلللات بأن لوائح الإتهام تتضمن محاولات إدانة على النوايا وعلى مجرد التفكير بالإنتقال إلى سورية ومواجهة الجيش النظامي السوري وتلك خطوة متطورة على صعيد محاكمات وإعتقالات يرى العبدللات أنها غير قانونية أو دستورية وتطال نشطاء التيار الجهادي السلفي.ذلك يحصل لسبب – يقترح العبدللات – وعلى الأرجح يتمثل في محاولة لفت نظر نظام دمشق إلى ان عمان ضد الجهاديين والسلفيين وأنها لم تعد تكتفي بإغلاق الحدود أمامهم تماما بل تطاردهم وتعتقلهم وتحاكمهم في الساحة الأردنية عند التفكير بدعم شعبهم في سورية.
وبصرف النظر عن كيفية إلتقاط دمشق للرسالة يمكن القول بأن الإستعانة بإتهامات من هذا النوع تتعلق بالإضرار بمصالح الدولة الأردنية مع دول شقيقة أو الحساب على مجرد نوايا الإنتقال إلى سورية فإن الرسالة الأعمق من وراء الإجراء هي بوضوح التأكيد للعالم وبعدة لغات بأن الأردن الرسمي في الإتجاه المعاكس تماما لتنظيم جبهة النصرة.وثمة مؤشرات أقوى على أن سلطات عمان وضعت خطة متلازمة للإنقضاض على القاعدة اللوجستية التي توفر المساندة في الأرض الأردنية لجبهة النصرة خصوصا بعد إتضاح الحقائق فعدد الأردنيين في جبهة النصرة يقترب من ألف مقاتل، حسب العبدللات.
وعدد الذين سقطوا في سورية من الأردنيين يتجاوز 50 مجاهدا بينهم 30 فقط من مدينة الزرقاء التي تعتبر المدينة الثانية في المملكة حسب رئيس لجنة الدفاع عن المعتقلين الإسلاميين الشيخ محمد الحديد.ثمة حرب واضحة ضد السلفيين والجهاديين وضد جبهة النصرة ومن يتعاطف معها في عمان برأي الحديد الذي يجدد التحذير من إنعاكاسات هذه السياسة العقيمة على المصالح الحيوية الأردنية ويقترح التروي وإعادة النظر.
بالنسبة للقيادي البارز في التيار السلفي الجهادي الأردني الشيخ أبو سياف تنمو القرائن التي تظهر بأن السلطات الرسمية والأمنية الأردنية في حالة حرب على التيارات السلفية والجهادية أو في حالة إنقلاب.لذلك صرح أبو سياف: عندما نتوثق من ذلك لكل حادث حديث.لكن نشطاء السلفيين وضعوا قائمة بهذه التوثيقات فقد تم إعتقال ثمانية جهاديين سلفيين خرجوا من السجن الأردني بعد إنقضاء فترة محكوميتهم بعد مداهمات ليلية الأسبوع المنصرم.لا يوجد مبرر لهذه الإعتقالات إلا الإحتياط من محاولات إنضمام المفرج عنهم للمجهود الذي تقوده جبهة النصرة في بلاد الشام وذلك دليل مرجح على السياسة الجديدة العقيمة كما يوضح العبدللات.
على الأرض يتحدث نشطاء السلفيون عن مطاردات ومداهمات وملاحقات تطال كل من قدم يد العون من الأردنيين لجبهة النصرة يوما بل تطال أيضا بنية القاعدة اللوجستية التي تدعم النصرة في الجانب الأردن حيث يوجد متعاطفون وممولون وكوادر تتطلع للإنتقال والمشاركة في القتال.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد فمشايخ التنظيم السلفي في الأردن إعتقلوا مجددا بدون محاكمات ويتم الإحتفاظ بهم خلف القضبان بدون مبرر وبين هؤلاء الشيخ أبو محمد الطحاوي الخطيب الدائم في أعراس الشهداء التي تقام في الأردن لمن يسقط في سورية.وبينهم الدكتور سعد الحنيطي والقيادي البارز بسام الياسين الشهير بلفب ‘أبو بندر النعيمي’ وهو قيادي مهم في التنظيم السلفي يعاني الآن من حالة صحية حرجة بسبب دخول إضرابه عن الطعام لليوم الـ 23 على التوالي حيث تم إيقافه بدون تهمة.
بين الموقوفين أيضا نحو 50 سلفيا أردنيا من مختلف المحافظات منهم الناشط السلفي البارز في إربد عصام الغرام وأخرون بينهم محمد أبو طماعه وفريد مراشده ومنذر ظاهر، والدكتور أيمن البلوي، وسالم العجيمي وطبيب الأسنان هيثم أبو شعيره والشيخ حسن جبر.هذه كلها إعتقالات حديثة في عمان وعلى الأرجح تحصل لان الأمريكيين يريدون ذلك ولان المسألة تنطوي على ‘بضاعة’ يمكن تسويقها عند بعض الدول الغربية.
لكن الأردن هو الخاسر إستراتيجيا حسب الحديد والعبدللات فإستهداف بنية الجبهة الجهادية في سورية وتحديدا في درعا بمحاذاة الحدود مع الأردن لا يعني في النهاية إلا حقيقة واحدة ويتيمه ستنطوي على مفاجأة غير سارة للأردنيين وتتمثل في وجود جيش حزب إلله بالقرب من ثغورهم وفي نقاط التماس على حدودهم.
يلفت العبدللات النظر إلى أن التيار السلفي الجهادي لا زال يحافظ على قواعد العمل القديمة والمتوافق عليها في الساحة الأردنية التي لا تصنف كساحة قتال أو جهاد إطلاقا.وقال العبدللات: قادة التيار السلفي ومن بينهم الشيخ السجين أبو محمد الطحاوي والشيخ السجين أيضا سعد الحنيطي حملوني هذه الرسالة عدة مرات وقوامها: لا للأعمال الميدانية في الساحة الأردنية.
يشرح عبدللات: السلطات تعرف ذلك لكن النظرية المخيفة اليوم تقول بوضوح بأن السماح بإستهداف المجاهدين في جنوب سورية يعني بأن عمان ستقف وجها لوجه ليس مع دولة سورية متماسكة بل مع مقاتلي حزب إلله اللبناني.. هل يسعى جماعة القرار في الدولة الأردنية لمواجهة من هذا النوع؟.. إنها بحق سياسة بائسة وسقيمة.
نظريا تبدو هذه المخاوف محتملة فحزب الله يتحشد في بصرى الشام بمحاذاة درعا بأعداد هائلة تمهيدا لمعركة مع جبهة النصرة في درعا القيادي السلفي السوري أبو عبدلله الشامي والسماح للحزب بالإنتصار والتقدم في درعا تحديدا يعني بأن حزب الله سيجلس كطرف مقابل للحدود مع الأردن وهي خارطة أمنية إستراتيجية جديدة ومعقدة تماما للمنطقة.