حصادنيوز – من المتوقع أن يصل للدوحة، اليوم الثلاثاء، مبعوث الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف لدفع مداولات الصفقة العالقة بين إسرائيل وحركة “حماس”، والتي تجدّدت أمس، بعد انقطاع نحو أسبوعين، بعدما انتهكت حكومة الاحتلال الاتفاق وفرضت حصاراً على القطاع بحرمان الغزيين من الماء والغذاء والكهرباء، في محاولة للضغط على الفلسطينيين من خلال ابتزاز حاجتهم للهدوء في شهر رمضان الفضيل.
وبعدما كانت حكومة الاحتلال قد حاولت إلقاء الكرة في ملعب “حماس”، وتتهمها بـ “رفض مقترحات ويتكوف”، وسط تجاهلها انتهاكاتها هي، أرسلت أمس وفداً فنياً تقنياً محدود الصلاحيات (تمديد المرحلة الأولى) وأمرته بعدم خوض مسألة إنهاء الحرب، والتركّز فقط بـ “مقترحات ويتكوف”، وهي في جوهرها عرض إسرائيلي يقترح الإفراج عن نحو نصف الرهائن الأحياء، مقابل وقف للنار لشهرين، مع إعادة فتح المعابر وإدخال المواد الإنسانية.
في المقابل؛ توضح حركة “حماس” حقيقة ما جرى، وتذكّر بأن حكومة الاحتلال تستنكف عن احترام الاتفاق الموقع من قبلها، والقاضي بالانسحاب من محور صلاح الدين (فيلادلفيا)، والدخول في مفاوضات المرحلة الثانية من الصفقة.
رشّ الماء البارد
وقبيل وصول ويتكوف للمنطقة قامت الإدارة الأمريكية برشّ الماء البارد على قناة التفاوض المباشر بين واشنطن وحركة “حماس”، فقد قال وزير الخارجية مارك روبيو إنها كانت فرصة لآدم بوهلر للتحدّث مع شخص له سيطرة على المخطوفين. وتابع: “هذه قناة هامشية، ولمرة واحدة لم تسفر عن نتيجة”.
وبخلاف تصريحات عدد من الوزراء الإسرائيليين، ممن قالوا إن تفاوض واشنطن مع “حماس” خطأ كبير، قال روبيو إنه رغم فشل المحادثات فإنها لم تكن هذه غلطة. وتابع: “المفاوضات الأساسية سيواصلها ستيف ويتكوف”.
من جهته، قال ويتكوف أيضاً: “إننا نريد موعداً محدّداً لإنهاء الصفقة، فشروط الاحتجاز غير إنسانية، وينبغي وقف ذلك، ولا خيار لـ “حماس” إلا مغادرة القطاع، وعندها كل الخيارات مطروحة على الطاولة من أجل السلام”.
رغم التحفّظات والتهديدات الأمريكية العلنية المتكرّرة سيبقى السؤال هل فعلاً أغلقت الإدارة الأمريكية هذه القناة؟ وهل هذا نهائي بالنسبة لترامب متقلب المزاج والعجول؟
من غير المستبعد أن تحافظ واشنطن على هذه القناة، التي قالت عنها “حماس” اليوم إنها ما زالت قائمة. وأن رشّ الماء البارد من جهتها عليها يهدف لترتيب الأوراق والتنسيق مع إسرائيل لاستئناف الضغوط على الجانب الفلسطيني وقطع الطريق عليه ومنع اعتقاده بأن هناك فجوة كبيرة بين الموقفين الأمريكي والإسرائيلي.
ورغم التصريحات والتحفّظات الأمريكية المذكورة، ما زالت أوساط إسرائيلية ترى أن واشنطن لم تتخل بعد عن هذه القناة المباشرة مع “حماس” وتحمّل نتنياهو مسؤولية فتح هذه القناة التي أسبغت الشرعية السياسية على “تنظيم إرهابي”.
وتقول صحيفة “هآرتس” العبرية، اليوم، إن المفاوضات مع “حماس” دارت بشكل شاذ خلف ظهر المستوى السياسي في إسرائيل لعدم وجود ثقة لدى الإدارة الأمريكية بقدرة نتنياهو و”حماس” على صياغة تفاهمات من خلال مفاوضات غير مباشرة عبر الوسطاء”.
لا خيار لترامب
ويرى المعلق السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت” بن درور يميني، في مقال بعنوان “لا خيار لترامب”، أن الرئيس الأمريكي عندما يرى أن القيادة في إسرائيل مفقودة يبادر للإمساك بزمام المبادرة وفتح قناة مباشرة مع “حماس”.
ويضيف: “كلما اتضحت الصورة أكثر لدى ترامب فإنه يفعل ما يعرف أن يفعل: الخروج عن القاعدة. أن يفاجئ. لأن السياسات أهم من العلاقة الشخصية. وعندما تستبدل السياسات بالحماقة فقط فلن يبقى خيار للإدارة الأمريكية. القيادة الإسرائيلية يفترض أن تكون الأقرب للإدارة الجمهورية، لكن بدون سياسات واضحة يبادر ترامب لفتح هذه القناة السرية، ولم يعلن بعد عن نهايتها”.
المفاوضات الآن حول مقترحات ويتكوف
ويوضح الباحث في الشؤون الفلسطينية، المحاضر في جامعة تل أبيب ميخائيل ميليشتاين أن المسار الموجود في الدوحة الآن هو قناة الوسطاء حول مقترحات ويتكوف، وينبغي الإصغاء لـ “حماس” التي تقول: “حتى لو قبلنا مقترحات ويتكوف فنحن نطالب بالبدء في مفاوضات الجولة الثانية التي تشمل موضوع إنهاء الحرب، علاوة على انتهاكات إسرائيل، ففي الأمس حلّ اليوم الخمسون الذي كان يفترض أن تنسحب فيه قوات الاحتلال من فيلادلفيا”.
في حديث للإذاعة العبرية الرسمية يرى ميليشتاين، وهو جنرال في الاحتياط، وعمل رئيساً لوحدة الدراسات في الاستخبارات العسكرية، أن “حماس” تنظيم براغماتي ومستعد لتليين موقفه، وربما هذا يدفعهم لقبول تمديد المرحلة الأولى بشروط، وهي ترفض خيار نزع السلاح في كل الأحوال. منوهاً أن “حماس” لا تريد العودة للحرب، لكنها لن تفعل كل شيء من أجل ذلك، فخيار العودة للحرب وارد بالنسبة لها، وهي تستعد لها بحال صممت إسرائيل على عنادها.
ويشدّد على أن خطة ويتكوف هي المطروحة الآن في الدوحة، وتهدف لتمديد المرحلة الأولى، معتبراً أن الفجوة الحالية في المواقف الآن تدور حول سؤال التفاوض حول الجولة الثانية خلال شهرين، مرجّحاً أن تصمم “حماس” على ضمانات لبدء مفاوضات المرحلة الثانية بدلاً من القول لا ولا.
ويضيف: “لدي شعور أن هناك مكوّنات في ائتلاف نتنياهو تعارض مجرد التفاوض حول الجولة الثانية، وإذا ما استنتجت “حماس” في العمق أنها أمام طريق مسدود، ولا يمكن الانتقال للجولة الثانية، فإنها ستعود للقتال. علينا توضيح ذلك للإسرائيليين، أن “حماس” ترى بالحرب خياراً ممكناً رغم كل الضربات التي تعرضت لها عسكرياً، وكلّي أمل أن صنّاع القرار لدينا يأخذون ذلك في مجمل حساباتهم”.
من جهته، يقول القائد السابق للعمليات العسكرية الجنرال في الاحتياط يسرائيل زيف إننا عالقون أكثر من الماضي بسبب أن نتنياهو يعطّل الصفقة.
ويمضي في انتقاداته: “حكومة إسرائيل تتكلم دون أفعال، وتسير للخلف، وتواصل الفشل الذريع الكبير منذ السابع من أكتوبر. ربما يؤدي حجيج عائلات المحتجزين للبيت الأبيض إلى دفع ترامب للتقدم نحو اختراق”.
ورغم التحولات الكثيرة، وتوقف تبادل الأسرى، ما زال صوت عائلات المحتجزين صرخة في البرية دون رد وتجاوب من الشارع، والاحتجاجات ما زالت خجولة لعدة عوامل منها حالة الإرهاق، وربما اليأس، أو الطمع بتطبيق خطة تهجير الغزيين.
احتمالات الحرب
في التزامن، يواصل القائد الجديد لجيش الاحتلال أيال زامير التهديد والوعيد بالحرب، وقال في آخر تصريحاته: “إننا نستعد لامتحان قومي، فالحرب لم تنته بعد”، فهل فعلاً هذا خيار إسرائيلي حقيقي عملي؟ وهل الشارع الإسرائيلي مستعد لحرب ثانية؟ هل تسمح بها واشنطن؟
من جهته، يرى عضو الكنيست المعارض متان كهانا، في حديث للإذاعة العبرية الرسمية، اليوم، إن زامير محق في أحاديثه عن الحرب، بذلك يقنع القادة العسكريين بها، وهذا حيوي فنحن فيلا داخل غابة أدغال، وعلينا الاعتماد على القوة العسكرية، ولن نخشى من طول الطريق”.
في المقابل، يكشف المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، اليوم، أن “الأعباء والشكوك لدى جنود الاحتياط تصعّب احتلال غزة مجدداً”، وهذا يتكامل مع ما كشفت عنه صحيفة “يديعوت أحرونوت”، يوم الجمعة الماضي، حين تحدثت عن وجود وحدات وضباط وجنود في الاحتياط يرفضون فكرة معاودة الحرب على غزة.
ويتابع هارئيل: “دون سابقة، هناك خطر أن قسماً من جنود الاحتياط لن يمتثل للخدمة العسكرية، بحال كانت العودة للحرب محط خلافات. ترامب يواصل تهديد “حماس” بقوله إنه سيؤيد عملية عسكرية موجعة، لكن يبدو أنه يفضّل استمرار وقف للنار وبدء عودة المخطوفين. رغم تهديده تأييد خطوة إسرائيلية واضح أن ترامب ما زال يطمح بتحقيق صفقة، ومن المشكوك به أن يؤيّد احتلال القطاع”، لافتاً إلى أن مجمل المقترحات الأمريكية يدور حول مبادئ الخطة المصرية: استعادة كل المخطوفين، وانسحاب إسرائيلي كامل، واستعدادات لترميم غزة. حتى ذلك مهم لأمريكا صيانة وقف النار. الهدف يبدو صعب المنال، لكن الإدارة لم تتنازل بعد، وهي تستفيد من التهديد الإسرائيلي بحرب جديدة للضغط على حماس”.
ويشكك زميله محلل شؤون الشرق الأوسط دكتور تسفي بار إيل بجدوى خطة تجديد الحرب في غزة، ويعلل ذلك بالقول إنها لا تقترح حلاً للسيطرة على القطاع، ولا لاستعادة المخطوفين.
ويخلص بار إيل للقول إن الاعتماد فقط على ترخيص أمريكي باستئناف الحرب ينبغي أن يخضع للامتحان كل لحظة من جديد، “فالحديث يدور عن رئيس أثبت قدرات بهلوانية استثنائية في تغيير رأيه، علاوة على النزيف الاقتصادي والإسرائيلي الملازم لإسرائيل”.