اللحظة حرجة لهذه الأسباب

 

حصادنيوز -ماهر أبو طيرهذه أكثر لحظة حرجة في الإقليم، حيث تجمّعت كل الصراعات المجدولة في توقيت واحد، بعد أن أصبحت الجدولة مستحيلة، ولا بد من حسمها، بالحرب، أو التسويات، أو عبرهما معا.

مائة عام من الاحتلالات، والحروب، وسيطرة قوى على المنطقة، غربية وإقليمية، وخرائط نفوذ متغيرة، والنظام الرسمي العربي تعرض إلى ضربات عميقة على مدى عقود، من تأثيرات القوى النافذة في العالم، مرورا بالثورات والانقلابات، والاعتداء على حقوق الشعوب ونهبهم تحت عناوين مضللة مختلفة، وشعارات وشرعيات لم تعد صالحة اليوم للاستمرار بذات الطريقة.

تجمعت كل الصراعات اليوم في المشرق العربي، ما يحدث في فلسطين، وتأثيرات المشروع الإسرائيلي الممتد، وتموضع تركيا، ومشروع إيران، وتغير الخرائط في المشرق، والإنهاكات الاقتصادية التي تؤشر على انهيارات مقبلة عند أقل هزة، مع شيوع اليأس والإحباط، وانسداد الأفق في وجه شعوب قفزت إلى البحر الأبيض المتوسط بحثا عن قارب نجاة نحو الشمال، فوق أن الدول التي تعزل نفسها بذريعة الحياد وحماية نفسها، معرضة للإفناء أكثر من غيرها.

اليوم تتشكل خريطة جديدة، لكن ببطء، وهذا طبيعي جدا، لأن بنى المنطقة لم تعد تحتمل كل الخراب المؤسس فوق ظهرها، إضافة إلى الاستهدافات في سياقات مطامع النفط والثروات والدين والمنافذ البرية والبحرية، والطاقة، وسيادة المنطقة والعالم، ومحاولات صد قوى مؤثرة ومنعها من التمدد إلى المنطقة وخصوصا الصين وروسيا، وما يتعلق بالاقتصادات الجديدة.

نقطة التفجير الأساسية اليوم، نراها بكل وضوح، فإسرائيل تريد حكم المنطقة وإعلان ذاتها قوى عظمى في الشرق الأوسط، بدعم عالمي، في تحالف مشهر، وليس سرا، وهي في سياق يهودية الدولة من جهة، وتثبيت العملاق الأمني والاقتصادي والعسكري من جهة ثانية بدأت تواجه تحديات تجلت أولها بتأثيرات ضربة السابع من أكتوبر، التي تتجاوز تأثيراتها غزة.

لأن القصة هكذا تداعت إسرائيل وكل حلفائها من أجل تأديب كل المنطقة، وهذا يفسر أن إسرائيل اليوم ومن معها تتحدث عن “رزمة دول” بحاجة إلى العقاب، وليس عن تنظيم في غزة، ولهذا لا يقبل رئيس حكومة الاحتلال عقد صفقة أسرى حتى الآن، لأنه يريد ومن معه الدخول إلى الخريطة الأوسع في لبنان وسورية والعراق واليمن وغزة والضفة وإيران، من خلال حرب كبرى، تمتد جذورها إلى بقية دول الإقليم العربية، وقوى دولية، في سياقات حسم الصراعات بدلا من مواصلة جدولتها، بعد أن بلغت الفوائد الربوية للجدولة حدا لا يحتمله النظام العالمي القائم.

من أجل أن نفهم الذي يجري فإن علينا أن نؤمن أن الدعوات للتهدئة، والمصالحات، والتسويات السياسية والعسكرية ووقف الحرب، لا تعني أبدا الرغبة بتجنيب المنطقة الحروب، بل تعد نمطا من أنماط الحروب الدبلوماسية التي يراد عبرها تحقيق ذات النتائج، أي حسم الصراعات وإنتاج خريطة نفوذ جديدة في هذه المنطقة التي تعد قلب العالم، برغم نقاط ضعفها ومشاكلها.

استمرار التحليل السطحي والحديث حول نتنياهو وإذا ما كان يريد تحرير أسراه أو لا، وعدم فهم الذي تفعله إسرائيل من حيث تدمير كل القطاع يعود إلى انطباع خاطئ يقول إننا أمام مجرد حرب في قطاع غزة، ستنتهي قريبا، وواقع الحال يقول إن هذه الحرب ستقود إلى ما هو أوسع وأكبر، سواء بالحرب أو من خلال التسويات، وهكذا فإن غزة هنا مجرد “صاعق تفجير” لكل هذا الغاز في المنطقة، والذي لا بد من التعامل مع كلف تفجيره بشكل أو آخر عما قريب.

علينا أن نتذكر أن هذه أطول حرب تخوضها إسرائيل منذ تأسيسها، فقد عبرنا الشهر الحادي عشر، وإسرائيل تواصل الحرب، وهذا يقول ضمنيا وفقا لكل ما سبق، إن افتراض توقف الحرب ميدانيا، لن يؤدي إلى وقفها فعليا، بل ربما تشتد أكثر، من أجل إعادة رسم خرائط الإقليم، والذي للمفارقة يستدرج العالم اليوم، نحو مصير مفتوح في رماله المتحركة وعوالمه الغامضة.

بدأت في غزة، ولا أحد يعرف أين ستنتهي.