حصادنيوز- ينهض مركز التوثيق الملكي منذ تأسيسه قبل 19 عامًا بدور فارق في حفظ الإرث الحضاري الوثائقي الوطني بأشكاله كافة، وترتبط بتاريخ الهاشميين خصوصًا والأردن عمومًا، بما يحفظ الذاكرة الوطنية.
رصدت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) عشية العيد 78 لاستقلال المملكة، تاريخًا طويلًا تحت حماية المركز وتوثيقًا لكل البلدان التي كان للهاشميين شرف خدمتها وخدمة شعوبها وتاريخها الطويل، ومن بينها الأردن.
يسعى المركز عبر أشغاله المتعددة إلى إجراء البحوث والدراسات الـمتصلة بتوثيق التاريخ وتحقيق المخطوطات الـمعنية بسير رجالات الهاشميين ونشر المذكرات الشخصية لمن أسهم في هذا التاريخ أو شهد أحداثه، فضلاً عن العناية بالنسب الشريف وبكل من ينتمي إليه.
ويعنى المركز بالتاريخ الأردني العام في زمن الدولة الحديثة، سواءً كان سياسيًا أم اقتصاديًا أم اجتماعيًا أم ثقافيًا، وتحفظ بين جدرانه آلاف الوثائق المتصلة بهذا الشأن وفق أحدث الطرائق العلمية.
وتقول مديرة المركز بالإنابة ريهام المصري لـ”بترا”، إن المركز ينهض بدوره الوطني في الحفاظ على الإرث الحضاري الوثائقي الأردني بكل إشكاله، التي ترتبط بتاريخ الهاشميين بشكل خاص والأردن بشكلاً عام، بما يحقق حفظ الذاكرة الوطنية.
ولضمان سلامة المعرفة والمعلومات الأصلية الصحيحة من مصادرها التاريخية، تضيف المصري، أن دور مركز التوثيق الملكي اتبع رؤية استشرافية واستباقية، ليكون الجهة التي يقصدها الباحثون والمهتمون والأجيال ليطالعوا ذاكرة الوطن وتجلياتها بكل مهنية، وضمن أفضل المعايير الدولية في تتبع وجمع الأرشيفات الوثائقية وتصنيفها وأرشفتها وإتاحتها.
ولفتت إلى أن الشعوب لا يمكنها التحدث عن تاريخها، والتغني بتراثها الغني، إلا من خلال الوثائق والصور وما تم تسجيله من فيديوهات ورواية شفوية تناقلها العدد المحدود من أصحاب الخبرة والتجارب، فكان لابد من الاهتمام بالتوثيق والتسجيل والحفظ والاتاحة عبر عمل مؤسسي يضمن الوصول إلى تفاصيل الذاكرة الحية، خصوصًا ما يمتلكه الأفراد من ممتلكات نادرة ومميزة تمثل قيمة مضافة تحتاج إلى آليات فاعله لتحقيق استراتيجيات الحفظ وسلامة البيانات وتسخير الأدوات التكنولوجية المتطورة، لإنشاء البيانات الوصفية الرقمية واسترجاعها.
أما أهم الوثائق التي يحفظها المركز، فقالت المصري، إنه استطاع خلال الأعوام الماضية، أن يجمع عددًا كبيرًا ومتنوعًا من الوثائق التاريخية الأصلية من المصادر المتاحة، إذ بذل المركز في ذلك، جهودًا تكللت بالنجاح مع عدد من المؤسسات والجهات الحكومية.
وبينت، أن من أهم الوثائق التي حصل عليها المركز، مجموعات تاريخية من عهد الإمارة تتضمن جزءًا من أرشيف عهد الإمارة السياسي والاجتماعي، والتعليمي، والصحي، وجريدة الشرق العربي، والجريدة الرسمية، وبعض الوثائق من أرشيف البلديات، والتعليم والمدارس التي رافقت نشأة الدولة، ووثائق من أرشيف رئاسة الوزراء، وبنك تنمية المدن والقرى، ومجموعات تعود لدائرة قاضي القضاة، ودائرة الأراضي والمساحة، ومجموعات من الوثائق التي تعود لأفراد، ومجموعات من الصور التي وصلت للمركز من عدة جهات.
ولفتت إلى أن الوثائق، هي عين الحقيقة والسبيل الوحيد للوصول إلى الذاكرة الإنسانية بكل صدق، وهي القادرة على توفير صورة ذهنية تجعل من الماضي مصدر الفخر والاعتزاز لجيل لم يعش تلك الأيام، وحافظت بدورها على الموروث الحضاري التاريخي بصوره الناصعة التي نقرأ منها ونستنطق الماضي.
وقالت: “نقرأ من وثائق الدولة الأردنية ما يؤكد نبل القيادة الهاشمية وحكمتها، وقدرتها على التأسيس والبناء، واهتمامها في الشؤون التعليمية والصحية كأساس للعيش الكريم، فحفظت لهم الرواية الحقيقة على سلامة مواقفهم العربية والدولية وحبهم للأردن والأردنيين، وتضحياتهم الجسام في سبيل نهضة امتهم العربية والإسلامية ووقوفهم مع فلسطين وشعبها الأصيل وحفاظهم على إرث الأجداد والوصاية الهاشمية على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية”.
وأضافت المصري، أننا نقرأ حجم المشاركة الشعبية للمواطن الأردني في حبه للقيادة، ولوطنه، ومساهمته في التأسيس والبناء، فقد حفظت أسماؤهم ومواقفهم وحجم مساهماتهم وسجل عيشهم الكريم في دفتر الماضي العريق، وأهازيجهم وأفراحهم واتراحهم، وأكثر من ذلك في حبهم لأمتهم العربية والإسلامية، التي قدموا من أجلها الكثير.
وبينت، أن هذه الوثائق عبر كل زمن تظهر مسار تأسيس الدولة ومؤسساتها ومدارسها ومستشفياتها ومسارحها وملاعبها، وهذه مهمة استثنائية يقوم المركز بدور تثقيفي حولها عبر مختلف الوسائل المتاحة، خصوصًا نشر الوثائق الأصلية ذات البعد الوطني المهم والنادر، والالتقاء بالأشخاص المؤثرين والأساتذة المتخصصين وتشكيل لجنة علمية متخصصة تهدف إلى تبني الأعمال البحثية الجادة التي تحكي تاريخ الهاشميين والأردن.
وعن آلية جمع هذه الوثائق، أوضحت المصري، أن للمركز استراتيجية واضحة لجمع الوثائق، تشمل بناء التعاون والشراكات الحقيقية مع الجهات الحكومية والخاصة المالكة للوثائق وتقديم خدمة الرعاية والترميم والحفظ والأرشفة، ضمن اتفاقيات ومذكرات تفاهم.
وقالت، إن الفرق الميدانية تقوم بزيارة أماكن التخزين والحفظ واختيار الوثائق ذات الأولوية، كما نشجع المواطنين والمجموعات الخاصة على زيارة المركز والاستفادة من خدماته التوثيقية للوثائق والصور وحفظها، إذ تجد تلك الوثائق طريقها لتغذية المخزون التراثي الكبير للأردن، وسيستمر المركز في أدواره الوطنية بأقصى درجات الحرفية والمهنية.
ويسعى المركز إلى التعاون العلمي الجاد مع المؤسسات والمراكز العربية والعالمية، ذات الأهداف المماثلة، وتبادل الخبرات معها، وعقد الندوات والـمؤتمرات المؤدية إلى تعميق التعاون المشترك من أجل النهوض بالمهمات الموكولة إليه.
ويهدف المركز إلى جمع الوثائق عن الأردن وآل البيت والمخطوطات بأنواعها، وجمع والصور والمحافظة على الوثائق الهاشمية، والتسجيلات وصيانتها وتصنيفها وفهرستها، وفقًا للأصول العلمية لتسهيل مهمة الباحثين الراغبين في الاستفادة منها، إضافة إلى معالجة الوثائق والمخطوطات والصور وترميمها والمحافظة عليها.
وأضافت، أن المركز دأب منذ تأسيسه على المساهمة في حفظ الذاكرة الوطنية وتنميتها وتعزيزها بتوثيق مخزونها الوثائقي من خلال جمع الصور، والفيديوهات النادرة والمايكروفلم، وجميع أشكال الأرشيفيات، التي تساهم في رصد الأحداث وكتابة التاريخ الأردني من مصادره الأصلية، وإعادة نشرها بصورة تساهم في إبقاء الأجيال على تواصل مع موروثها الحضاري، كما يتتبع المركز وجود المجموعات الوثائقية والأرشيفات وأماكن حفظها عند الجهات التي تمتلكها، الأمر الذي مكن المركز من إصدار تقرير عن حالة أرشيف الوثائق في مؤسسات الدولة، وما زال المركز يبذل جهودا وطنية تعنى بالوثائق ورقمنتها، وحفظها وفق أفضل المعايير الدولية.
ولفتت إلى أنه للوصول إلى أفضل النتائج، أصبح المركز عضوًا فاعلًا في الأرشيف الدولي الذي يتبنى جهودًا عظيمة لنقل المعرفة وإيصالها إلى الأعضاء والدول والمؤسسات المهتمة، وتقديم الإستشارات اللازمة والتوجيه لحفظ الوثائق على نحو آمن والوصول بها إلى مصائر آمنة، وبذلك استطاع المركز طوال السنوات الماضية رقمنة العديد من المجموعات الأرشيفية وصيانتها وترميمها، وتجليدها وحفظها.
ومن أهم الوثائق التي قام المركز برقمنتها وتقديم خدمة الترميم لها تضم قائمة من ومصادرها، حسب المصري، دائرة الأراضي والمساحة والتي شملت سجلات عثمانية لأراضي القدس وفلسطين، والسجلات الإنجليزية للأراضي، ووثائق عقود البيع وأملاك الدولة، وقراءة العديد من أشرطة المايكروفلم، ودائرة قاضي القضاة وشملت عقود زواج وسجلات حصر إرث وحجج تخارج وطلاق من محكمة السلط وعجلون وعمان والطفلية، وشملت وثائق مدرسة السلط وبعض وثائق مدرسة الكرك، وبنك تنمية المدن والقرى ومجموعة من الوثائق التاريخية عن عمل البنك ومساهمته في انشاء وتطوير البنية التحتية، وبعض الوثائق التي تم تقديمها اهداءات للمركز و شملت كتبًا قديمة وصحفًا وصورًا ووثائق شخصية.
وأضافت، أن المركز يقوم بشراء كثير من الوثائق التي تتعلق بالشريف حسين بن علي والأردن من الأرشيف العثماني؛ للمساهمة في التعرف على تاريخ الأردن، زمن الدولة العثمانية، واستطاع المركز ولأهمية الاستقلال أن يستحوذ على بيانات رقمية وورقية عن الاستقلال وأن يعود لمذكرات بعض الذين عاشوا أيام الاستقلال وشاركوا فيها، بتسجيل العديد من اللقاءات الخاصة مع شخصيات تاريخية وأخرى سياسية؛ حيث صدرت عن المركز صحيفة الاستقلال في صبيحة اليوم الخامس والعشرين من أيار 2023 وتضمنت القرار الأساسي للاستقلال”وثيقة الاستقلال”، كما صدر عن المركز عدد من البرقيات الدولية الدبلوماسية وأخبار عن شخصيات سياسية وغيرها، كما صدر نص من مذكرات شخصية ولقاء مع احدى الشخصيات التي شهدت وشاركت في احتفال الوطن بالاستقلال.
كما يقوم المركز بحملات توعية وطنية وزيادة الوعي الوطني تجاه الوثيقة والوثائق والمخطوطات وأهميتها باعتبارها مصدرا مهما ونادرا للتاريخ الأردني المتنوع، والتعريف بان الوثيقة تشمل ما ينتج عن الدولة والأشخاص والجماعات والهيئات والمؤسسات من وثائق وصور وارشيفات عبر مسيرة الدولة، وذلك من خلال التصريحات لوسائل الاعلام.
وأضافت أن المركز ينظم بشكل دوري ندوات ثقافية متخصصة في موضوعات مهمة حول أهمية الأرشفة الإلكترونية والممارسات الدولية المتخصصة والموجهة لجميع الفئات، ولقد حملت هذه الندوات عدة عناوين من بينها مخطوطات البحر الميت: “المصير والمصائر”، و”التعامل مع المخطوطات وإشكالية التحقيق” ، و”هوامش على متن الدولة في مئويتها الأولى”، و”سيرة الحسين بن طلال (طيب الله ثراه) من خلال كتب المذكرات السياسية” ، و”إضاءات على استقلال الدولة الأردنية”، و”حضور المخطوط العربي في الواقع الثقافي” .
وأصدر المركز 27 كتابًا منذ عام 2012 وحتى عام 2024 تتناول موضوعات، من أهمها كتب عن آل البيت والتاريخ الاجتماعي والسياسي للأردن ، إضافة إلى صحيفة الاستقلال، وتقويم تاريخي لأهم إنجازات الملك عبدالله الثاني، خلال 25 عامًا، بمناسبة اليوبيل الفضي، وكتاب أمشاق الخط العربي الحائز على جائزة الابداع العربي في دولة الأمارات العربية المتحدة، وكتب قام المركز بتحقيقها، وكتاب الأردن من خلال وثائق الأرشيف العثماني.
ونشر المركز في الصحف المحلية، وكالة الأنباء،الأردنية “بترا” وثائق تتعلق بأحداث ومشاركات شعبية وأدوار وطنية مهمة تتعلق بالاستقلال وتولي العرش وتأسيس الإمارة ودور المرأة الأردنية في أربعينيات القرن الماضي.
ومن أهم ما أنجزه المركز حديثًا، اطلاق مجلة علمية محكمة للدراسات التاريخية، تسهم في تسليط الضوء على موضوعات من شأنها رفع مستوى الثقافة والمعرفة بتاريخ الأردن، وسيصار إلى توفيرها مطبعيا وإلكترونيا. كما سيستمر المركز في أداء أدواره الوطنية بأقصى درجات الحرفية والمهنية.
–(بترا)