شهد القطاع المصرفي في الأردن، منذ تولي جلالة الملك عبد الله الثاني سلطاته الدستورية، تطوراتٍ كبيرة وملموسة أدت إلى نقل القطاع إلى مصاف القطاعات الاقتصادية المحلية والقطاعات المالية العربية والإقليمية.
وتجلت مسيرة القطاع في عهد جلالته وعلى مدار 25 عاماً في توسع مسيرة القطاع ونموه ضمن مسيرة طبيعية متزامنة مع نمو وتطور القطاعات الأخرى والمرتبطة مع بعضها البعض.
ولقد كان لعناصر المسيرة الأردنية التي أرسى جلالته قواعدها من الاستقرار السياسي ونعمة الأمن والأمان والتشريعات العصرية، والشراكة الحقيقية بين القطاعين العام والخاص، وتوسع النشاط الاقتصادي في المملكة وجذب الاستثمار الأجنبي، أبرز الأدوار في مساندة النمو والتطور الذي شهده القطاع المصرفي، ونتيجةً لهذه العناصر صنف القطاع المصرفي بالقطاع السليم والآمن.
كما شهد البنك المركزي مظلة القطاع المصرفي في عهد جلالته، تطوراً كبيرا ونقلةً نوعية في العمل والأهداف، وهو ما يتضح في قوة الاستقرار المالي والنقدي وتوافر بيئة مالية ونقدية مواتية لنمو وتطور القطاع المصرفي.
ومن أبرز التغيرات التي ساهمت في تطور القطاع المصرفي، إصدار قانون البنوك رقم 28 لعام 2000، والذي أحدث نقله نوعية بإدخال مفهوم البنك الشامل على القطاع المصرفي وإدماج البنوك الاستثمارية تحت البنوك التجارية، حيث بلغ عدد البنوك 21 في عام 1999 منها 9 بنوك تجارية و5 استثمارية و2 بنك إسلامي و5 فروع لبنوك أجنبية.
وفي نهاية عام 2023 وصل عدد البنوك العاملة في المملكة إلى 20 بنكاً، وتشمل 15 بنكاً أردنياً مدرجاً في بورصة عمان منها 3 بنوك إسلامية، و5 أجنبية منها بنك إسلامي.
كما شهد القطاع خلال 25 عاماً تطورا كبيرا في الانتشار الجغرافي، فقد تضاعف عدد فروع البنوك العاملة في المملكة من 463 في عام 1999 إلى 941 فرعا في عام 2022، إضافة إلى الانتشار الجغرافي للقطاع في القارات الخمس خلال الفترة (1999-2022)، فقد وصل عدد الفروع الخارجية إلى 195 فرعا و5 مكاتب تمثيل و23 مكتبا ووحدتي أوفشور، مقارنةً مع 140 فرعاً في بداية عهد جلالته.
وعلى نطاق الحاضنة العربية التي يعمل جلالته على رعايتها باستمرار، استطاع القطاع المصرفي الأردني تقديم صورة قوية عربياً، والتوسع في العديد من الدول العربية ومنها العراق والجزائر والبحرين والسعودية، إضافة الى ارتفاع عدد الفروع الخارجية للبنوك في فلسطين من 55 فرعا في عام 1999 إلى 95 فرعا و23 مكتبا في عام 2022، وقد ساهم هذا التوسع والمعطيات السابقة في مواكبة القطاع المصرفي للمرحلة الاقتصادية الجديدة التي شهدتها المملكة من الانفتاح التجاري والاقتصادي في مختلف القطاعات الاقتصادية منذ عام 1999.
وأكد مدير عام جمعية البنوك الأردنية الدكتور ماهر المحروق، في حديثه لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) أن من الشواهد على تطور القطاع المصرفي في عيد اليوبيل الفضي لتولي جلالته سلطاته الدستورية، وجود نقلة حقيقية في المؤشرات المالية للقطاع المصرفي، والتي تدل بشكل مباشر على النمو الاقتصادي وتوسع قاعدة الصادرات وتحسن مستويات الاستثمار الأجنبي التي شهدتها المملكة، حيث تضاعفت موجودات القطاع المصرفي 5.7 مرة خلال الفترة (1999-2023) ليبلغ رصيد الموجودات 65.518 مليار دينار مقارنة مع 11.551 مليار دينار في عام 1999، وبهذا شكلت موجودات البنوك ما نسبته 194.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية تشرين الثاني 2023.
وتضاعفت الموجودات الأجنبية من قرابة 2.9 مليار دينار عام 1999 إلى 6.081 مليار في نهاية تشرين الثاني 2023، وكذلك تضاعفت الموجودات المحلية نحو 7 مرات لتصل إلى 59.437 مليار دينار في نهاية تشرين الثاني 2023، مقارنة مع 8.6 مليار في نهاية عام 1999.
وأضاف أن هناك تطورا في حجم الودائع في القطاع المصرفي في الأردن بفضل الثقة الحقيقية وقوة الدينار الأردني، حيث تضاعف رصيد الودائع حوالي 5.6 مرة ليرتفع من 7.5 مليار دينار عام 1999 إلى 43.292 مليار في نهاية تشرين الثاني 2023، والتي تشكل ما نسبته 128 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، موضحا أن توزيع الودائع يكون حسب نوع العملية، والتي تركزت بشكلٍ عام بالدينار الأردني وشكلت أكثر من 78 بالمئة من إجمالي الودائع، حيث ارتفعت حوالي 7.3 مرة من قرابة 4.68 مليار دينار عام 1999 إلى حوالي 34.072 مليار دينار في نهاية تشرين الثاني 2023، مقارنة مع تضاعف الودائع الأجنبية 3.3 مرة من 2.82 مليار في عام 1999 إلى 9.219 مليار في نهاية تشرين الثاني 2023.
وفيما يخص مؤشرات المتانة المالية، أوضح المحروق أن البنوك حافظت على عناصر قوتها ومتانتها مع تحسن واضح في مختلف المؤشرات، حيث ارتفعت نسبة كفاية رأس المال من 15.9 بالمئة في عام 2003 إلى 17.4 بالمئة في النصف الأول من عام 2023، كما انخفضت نسبة الديون غير العاملة من 15.5 بالمئة في عام 2003 إلى 5 بالمئة في النصف الأول من عام 2023، وذلك بالتزامن مع تحسن كبير في نسبة تغطية الديون غير العاملة والتي ارتفعت من 51.9 إلى 78.9 بالمئة في النصف الأول من عام 2023.
وهذه المؤشرات تعكس بالنتيجة مكامن القوة وعناصر الاستقرار المالي والنقدي والاقتصادي التي يتمتع بها الأردن، والتي شهدت تحسناً واضحاً في عهد جلالة الملك عبدالله الثاني.
كما لعب القطاع المصرفي دورا هاما في توفر التمويل الملائم والمناسب للقطاعات الاقتصادية لمواكبة الانفتاح الاقتصادي والتجاري، فقد تضاعفت التسهيلات الائتمانية الممنوحة من البنوك بحوالي 7.5 مرة لترتفع من 4.46 مليار دينار عام 1999 إلى 33.438 مليار دينار في نهاية تشرين الثاني 2023.، وبهذا فقد ارتفعت نسبة التسهيلات الممنوحة إلى الناتج المحلي الإجمالي من 77 بالمئة عام 1999 إلى 99.3 بالمئة في نهاية تشرين الثاني 2023، كما استحوذت التسهيلات الممنوحة للقطاع الخاص (المقيم) على حوالي 90 بالمئة من التسهيلات الائتمانية الممنوحة والتي ارتفعت من 3.8 مليار دينار عام 1999 إلى 29.463 مليار في نهاية تشرين الثاني 2023.
وخلال عهد جلالة الملك لم يكن التطور الحاصل في القطاع الخاص وحده، بل شهد القطاع الحكومي حزمات من التطور والتغيير لتعزيز الريادة الحكومية وإطلاق عهد من التشاركية بين القطاعات الاقتصادية والجهات الحكومية، فقد شهد البنك المركزي تطورات ملموسة في بناء رؤية القطاع المصرفي وإدخال المفاهيم المصرفية الحديثة واعتماد أعلى أسس ومعايير الرقابة المالية كمعايير بازل 2 وبازل 3، كما عمل على القيام بالعديد من النقلات النوعية والكبيرة في مختلف الأنظمة المالية والمدفوعات التي تعتبر إحدى أعمدة القطاع المالي، وتساهم بشكل مباشر في تسهيل المعاملات المالية بين جميع الأطراف ومن أقل مستوى كالمعاملات المالية اليومية بين المواطنين إلى المعاملات المالية الكبرى بين البنوك والجهات الخارجية، حيث أطلق البنك المركزي نظام التسويات الإجمالي الفوري في عام 2002، والذي يربط البنوك على نظام واحد من خلال حساباتها في البنك المركزي بشكل إلكتروني ويعمل على التسوية الفورية للتحويلات ويعتبر أهم نظام داخل أي دولة، كما تم تحديث النظام في عام 2015 واعتبر الأول عربيا والثاني إقليمياً، باعتراف المؤسسات العالمية.
وقال انه في عام 2007 أطلق البنك المركزي نظام المقاصة الإلكترونية والذي من خلاله تم التوقف عن تبادل الشيكات بالطريقة الورقية، وتسريع عملية التقاص للشيكات لتصبح بنفس اليوم لجميع المناطق في المملكة.
وعلى المستوى الدولي، قام البنك المركزي بتطبيق رقم الحساب الدولي (IBAN) في عام 2014، والذي هدف الى إنشاء رقم دولي موحد للحسابات البنكية لدى جميع البنوك في المملكة لتسهيل نقل الحوالات محليا ودولياً.
وأشار الى انه تطوير الأنظمة في البنك المركزي ارتبط باستثمار القطاع المصرفي بشكل مباشر في تطوير الخدمات المصرفية المقدمة والتي شهدت تنوعاً كبيراً في عهد جلالته، لتلائم احتياجات مختلف المتعاملين من أفراد وشركات صغيرة ومتوسطة وشركات كبرى، مع تطور كبير في استخدام التكنولوجيا في القطاع المصرفي لتشمل استحداث قنوات إلكترونيه شاملة مثل الانترنت البنكي والخدمات المصرفية عبر الهاتف النقال وخدمات الرسائل القصيرة والبنك الناطق وخدمات الدفع والتحويل الإلكتروني للأموال وغيرها.
وفي عام 2022 بلغ عدد مستخدمي هذه القنوات نحو 3.2 مليون مستخدم، وقيمة الحركات وصلت الى نحو 57 مليار دينار أردني، وضمن هذا السياق بلغت قيمة الحركات على نظام (كليك) وهو إحدى الأنظمة لتحويل الأموال عبر الهاتف النقال نحو 2.7 مليار دينار، فيما بلغت قيمة الحركات على نظام عرض وتحصيل الفواتير إلكترونيا (eFAWATEERcom) حوالي 10.5 مليار دينار.
وأضاف المحروق ان هذا التطور اسهم في تعزيز وفتح خدمات جديدة بالإضافة الى تسهيل الحصول على الخدمات المالية؛ ومن ذلك فتح آفاق التجارة الإلكترونية، فقد بلغ عدد التجار الذين يقبلون دفعاتهم عبر منصات التجارة الإلكترونية 1686 تاجرا في نهاية عام 2022، وقد تم من خلال المنصات إجراء ما يقارب 15 مليون حركة دفع بقيمة إجمالية 326 مليون دينار أردني في عام 2022، كما ارتفع عدد بطاقات الدفع اللاتلامسية الصادرة عن القطاع المصرفي في عام 2022 لحوالي 4.6 مليون بطاقة، وقد ارتبط هذا التطور مع الانتشار الجغرافي الكبير لأجهزة الصراف الآلي، بالإضافة الى تطور أجهزة نقاط البيع وتغطيتها اغلب مناطق ومحافظات المملكة وخصوصا ان 99.8 بالمئة من هذه الأجهزة تدعم الخاصية اللاتلامسية.
كما انعكست هذه التطورات في تحسن بيئة الأعمال في القطاع المصرفي وجذبه للخبرات والكفاءات، واعتباره مصدراً لها على مستوى المنطقة، فقد بلغ عدد العاملين في القطاع نحو 22.4 ألف من الأردنيين، تشكل النساء منهم 35 بالمئة والموظفين الأقل من 40 عاما حوالي 74 بالمئة، كما تشير التحليلات إلى أن كل فرصة عمل مستحدثة في القطاع المصرفي قادرة على خلق فرصتي عمل بشكل غير مباشر في القطاعات الاقتصادية الأخرى.
كما يتميز القطاع بالتطوير المستمر على مدار العقود الماضية، فهو بيئة عمل لائقة وجاذبة للأردنيين حيث يعد القطاع الأقل من حيث معدل الدوران الوظيفي وبنسبة 7.4 بالمئة مقارنة مع القطاعات الأخرى، إضافة الى تركيز القطاع على تشجيع وتفعيل مساهمة المرأة الاقتصادية سواءً على مستوى القطاع او القطاعات الاقتصادية الأخرى، اذ يحرص القطاع المصرفي على تحقيق المساواة الجندرية في الوظائف بين الذكور الإناث، اذ تبلغ نسبة الاناث العاملات نحو 34.6 بالمئة من موظفي البنوك، وتعد هذه النسبة أعلى من المعدل المنقح للمشاركة الاقتصادية للمرأة في اخر عشر سنوات والبالغ 14.2 بالمئة، موضحا ان القطاع شهد أخيرا بناء سياسات تسهم في تعزيز مكانة المرأة في الوظائف القيادية في القطاع وتعزيز مشاركتها في مجالس الإدارات للبنوك.
وأشار المحروق الى ان البنوك لعبت دورا كبير في جذب الاستثمارات في عهد جلالة الملك سواءً في تعزيز مستويات الاستثمار الأجنبي والعربي في القطاع المصرفي نفسه او من خلال توفير القطاع المصرفي الخدمات المالية الملائمة للمستثمرين وخصوصا ما ورد في قانون الاستثمار من سهولة نقل الأموال وتحويل العملات وفق الضوابط القانونية، إضافة الى توسع دور القطاع في تمويل مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص والمشروعات الاستثمارية الكبرى.
وفي ذات السياق، يهدف القطاع المصرفي خلال المرحلة المقبلة الى دعم الاستثمارات الخضراء، وتطوير برامج تمويلية مستدامة لمختلف القطاعات الاقتصادية، ما يسهم بشكل مباشر في التحول الى الاقتصاد الأخضر والدائري، الذي يمتاز بزيادة التنافسية وتقليل الكلف الإنتاجية وتوفير فرص العمل الخضراء، حيث يعمل القطاع المصرفي ضمن توجهات البنك المركزي الذي أطلق في نهاية عام 2023 استراتيجية التمويل الأخضر للأعوام 2023-2028 والتي تعد خارطة طريق لتخضير القطاع المالي وفي مقدمتها القطاع المصرفي.
واوضح أن هناك العديد من المساهمات للقطاع المصرفي في تعزيز الاستثمار في المملكة، والتي تشمل العديد من الشركات والصناديق الأخرى المملوكة من البنوك منها انطلاق اعمال الشركة الاحترافية للتطوير العقاري برأسمال يبلغ 106 ملايين دينار ما يعد مساهمة واضحة من القطاع المصرفي في القطاع العقاري، إضافة الى تأسيس صندوق رأس المال والاستثمار الأردني، الذي يعد أكبر صندوق استثماري في المملكة من حيث رأس المال المصرح به والبالغ 275 مليون دينار أردني، ومملوك بالكامل من القطاع المصرفي، والذي تم تسجيله أخيرا وفقاً لقانون البيئة الاستثمارية الجديد الذي أجاز انشاء الصناديق الاستثمارية في المملكة.
وبين المحروق، أن عهد جلالة الملك قد صاغ قوة ومنعة الاقتصاد الأردني التي أصبح يمتاز بها في وجه التغيرات الاقتصادية الدولية والإقليمية، حيث تستمر المسيرة في رعاية منه لاهم واشمل خطة لمسيرة الاقتصاد، فقد رعى جلالته إطلاق رؤية التحديث الاقتصادي للأعوام 2023-2033، والتي أوضح فيها انه يأمل من خلالها الانتقال الى الأردن الذي يريد، وتحقيق اهداف وتطلعات المواطنين وخصوصا الشباب منهم. وهو ما انعكس على صياغة الرؤية بشراكة حقيقية بين القطاعات وبما يزيد عن مشاركة 500 مختص.
وكاستجابة لرؤية التحديث عمدت الحكومة إلى اعداد البرنامج التنفيذي للرؤية للأعوام 2023-2025 لتنفيذها، كما قامت في منتصف عام 2023 بعقد مؤتمر عام على التحديث لمتابعة اعمالها ومدى تنفيذها لأولويات الرؤية بالإضافة الى إطلاق الحكومة موقعا خاصا لمتابعة التنفيذ ومستوى الإنجاز.
واضاف المحروق ان القطاع المصرفي شارك في اعداد رؤية التحديث الاقتصادي التي تعتبر فرصة حقيقية لإطلاق الإمكانات الاقتصادية وفتح آفاق النمو، حيث يوضح التوجه الاستراتيجي لقطاع الأسواق والخدمات المالية ضمن الرؤية دور القطاع المالي بوصفه أحد المُمكنات للنمو الاقتصادي واداة وصول المواطنين الى التمويل.
كما قدمت الرؤية جملة من المبادرات لتعزيز ريادة العمل المصرفي في المملكة والانتقال الى عصر جديد من الخدمات المالية الذكية، كالبنوك الرقمية والبنوك المفتوحة، والربط بين أدوات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات المالية الحديثة مثل البلوكتشين وغيرها من الأدوات، كما ان المبادرات الواردة في الرؤية وجميع الأولويات الخاصة بها ستكون محورا لتحول حقيقي في القطاع المالي ليدخل إلى مرحلة جديدة مبينة على التكنولوجيا المتطورة وليكون قادراً على تطوير منتجات وخدمات مالية أكثر ملاءمة وشمولية وكفاءة.
— (بترا)