نواجه تحديين إستراتيجيين سوف يستمران بأن يكونا سببا رئيسا للعنف والدمار، على مراكز الأبحاث إدراكهما. الأول: وقوع العالم ضحية للرواية الإسرائيلية؛ أن الوضع مستدام ومسيطر عليه، وأن إسرائيل تمتلك من عوامل الردع والقوة ما يكفي لتحقيق الهدوء الذي يتم تهديده بين الحين والآخر ولكنه مسيطر عليه، وأخطر ما في الرواية الإسرائيلية، أن أولوية الإقليم وإسرائيل والعرب ليست القضية الفلسطينية، بل إيران والمعاناة الاقتصادية، وأننا نستطيع أن نتقدم خطوات في هذه الملفات الحساسة إقليميا، ومن ثم نذهب للتعامل مع القضية الفلسطينية. حققت الرواية الإسرائيلية نجاحا وقبولا في كثير من عواصم القرار، وكانت الرواية الأردنية هي التي تحاول مجابهتها بقوة المنطق والحق والإقناع، وكان السجال الدبلوماسي محبطا ظل الأردن فيه محافظا على قناعاته التي كان منسجما فيها مع ذاته ومصالحه العليا، مؤمنا أنه يقف على الجانب الصحيح من التاريخ، وأن الحق سوف ينتصر ولو بعد حين، ولم يتراجع بالأثناء عن التزامه بالأمن والاستقرار والسلام. أما التحدي الثاني، فهو ذلك المرتبط بخطاب الكراهية والعنصرية والفوقية من اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي أجّج المشاعر، واستفز الكرامات، وغالى في استخدام القوة واستباحة الشعب الفلسطيني، فكان نتيجة ذلك خلق بيئة سياسية حاضنة للعنف، وأصبحت لغة المواجهة والرغبة بقتل الآخر هي السائدة، وتبددت أجواء التعايش والسلام الذي حلمت فيه شعوب المنطقة في تسعينيات القرن الماضي.
ما يحدث في غزة قاس مرّ ظالم، لكنه قد يشكل فرصة مواتية لكي يفهم الجميع ضرورات التسوية، وأن الحرب ستستمر ما دام لا بديل لها، وأن وجود عملية سياسية ذات مصداقية وأفق هو الحل الوجيه. كانت التسوية والمفاوضات تشهد زخما كلما كان هناك تهديد لعقلية القلعة في إسرائيل. حدث هذا في عام 1973 بعد هجوم مصر وسورية ومشاركة الأردن على إسرائيل، وحدث في 1991 بعد الانتفاضة وصواريخ العراق على إسرائيل. الآن إسرائيل لا بد أن تدرك أن التسوية والمفاوضات مع الشعب الفلسطيني هي طريق الأمن والسلام، وليس عمليات عسكرية مهما اشتدت ضراوتها.