“الحل النهائي” للمشكلة الفلسطينية: منظور فلسطيني

 

حصادنيوز-ثمة حل غير “حل الدولتين” بتنويعاته المعروضة، وغير “حل الدولة الواحدة ثنائية القومية”: حل “الكونفدرالية”. ويلخص مفهوم هذا الحل، بعد أن يبين عدم صلاحية “حل الدلتين” القياسي، عومير بارتوف، أستاذ دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية في جامعة براون، الذي يحمل جنسية الكيان والجنسية الأميركية. فيكتب:”وإذن، ما الذي سيكون قابلاً للتطبيق؟ أعتقد – وأنا أنتمي إلى مجموعة من الناس الذين يتحدثون عن هذا منذ فترة طويلة– أن الحل الوحيد هو كونفدرالية. وهو ما يعني أنها ستكون هناك دولتان. ستكون هناك دولة يهودية ودولة فلسطينية. وستكون لكلتيهما سيادة كاملة. وستكونان على طول حدود العام 1967 تقريبًا، ما يسمى بالخط الأخضر. لكنهما ستُميزان بين الإقامة والمواطنة، بحيث يمكن للأشخاص اليهود، على سبيل المثال، الذين يعيشون في الدولة الفلسطينية أن يظلوا مواطنين إسرائيليين، وإنما لديهم حقوق الإقامة في الدولة الفلسطينية، لكنّ عليهم بعد ذلك الالتزام بجميع القوانين. قوانين وقواعد وأنظمة هذه الدولة الفلسطينية. والفلسطينيون الذين يعيشون، على سبيل المثال، في نابلس ويرغبون في العيش في حيفا، (مثل رجل فرنسي من باريس يرغب العيش في برلين)، يمكنهم الانتقال إلى حيفا، ويمكن أن تكون لديهم حقوق الإقامة، وعليهم الامتثال لجميع قواعد وأنظمة الدولة الإسرائيلية، لكنهم سيصوتون للبرلمان الفلسطيني. وستكون القدس عاصمة مشتركة للدولتين”.

يفترض هذا “الحل” حسنَ نية يصعب تصوره في ضوء الأحداث التاريخية الدموية في فلسطين. ويفترض أيضًا تخلي الفلسطينيين نهائيًا عن الطموح في استعادة معظم فلسطين التاريخية. ويجب تصور أن يزيل المستوطنون المتطرفون في الضفة الأسوار والأسيجة وحماية جيش الاحتلال عن مستعمراتهم، وأن ينزلوا إلى الأسواق الفلسطينية ويختلطوا بالفلسطينيين كمقيمين. وكذلك أن يذهب ابن رام الله ليعيش في يافا بسهولة ويتعامل معه المستعمِرون هناك كمقيم شرعي له كل حقوق الإقامة. كما لا يذكر هذا الحل – في نسخة بارتوف على الأقل- شيئًا عن حق العودة الفلسطيني وما هو وضع اللاجئين: هل سيحق لهم العودة إلى فلسطين 1948 وأخذ جنسية الكيان، أم يأتون كمقيمين، أم لا يأتون أبدًا. وإذا أُخذت كل العناصر معًا، فإنه يكاد يكون من المستحيل تطبيق هذا “الحل”، خاصة من طرف الكيان الذي سيخاف من هاجس الديمغرافيا على الأقل، ناهيك عن عدم ثقته المطلقة بالفلسطينيين الذين لم يسقطوا مطالباتهم الوطنية كل هذه العقود وبكل هذا العزم.
وإذن، يفكر المستعمِرون الاستيطانيون والمستعمَرون الفلسطينيون بالأرض “من النهر إلى البحر” كل بطريقته. وكما يحدُث، تحاول حكومات الغرب تجريم شعار “من النهر إلى البحر” إذا رفعه الفلسطينيون أو أنصارهم، بينما تصادق على واقع الاستعمار الحالي لفلسطين من النهر إلى البحر فعليًا ولا تفعل شيئًا لتغييره.
للتخفيف من وقع عبارة “فلسطين من النهر إلى البحر” على أذن الغرب، يفسرها مفكرون وناشطون لكي تعني شيئًا أقرب إلى الدولة الواحدة ثنائية القومية. وعلى سبيل المثال، يكتب الكاتب والباحث في “المركز العربي في واشنطن العاصمة” يوسف منيَّر: ‏
من النهر إلى البحر‘ هو رد على قيام الاحتلال الإسرائيلي بتجزئة الأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني والتمييز ضده. وقد تم تقسيم الفلسطينيين بطرق لا تعد ولا تحصى بسبب السياسة الإسرائيلية. هناك لاجئون فلسطينيون محرومون من العودة إلى الوطن بسبب القوانين الإسرائيلية التمييزية. وهناك فلسطينيون محرومون من المساواة في الحقوق يعيشون داخل أراضي إسرائيل المعترف بها دوليًا كمواطنين من الدرجة الثانية. وهناك فلسطينيون يعيشون من دون حقوق المواطنة في ظل الاحتلال العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية. وهناك فلسطينيون في مأزق قانوني في القدس المحتلة ويواجهون الطرد. وهناك فلسطينيون في غزة يعيشون تحت حصار إسرائيلي. وجميعهم يعانون من مجموعة من السياسات في نظام واحد من التمييز والفصل العنصري -وهو نظام لا يمكن تحديه إلا من خلال معارضتهم الموحدة. ولكل منهم الحق في العيش بحرية في الأرض من النهر إلى البحر.‏
ويضيف أن “ما يدعو إليه الفلسطينيون عندما يستخدمون العبارة المعنية هو: دولة يمكن للفلسطينيين أن يعيشوا فيها في وطنهم كمواطنين أحرار ومتساوين، لا يهيمن عليهم الآخرون ولا يهيمنون على الآخرين. عندما ندعو إلى فلسطين حرة من النهر إلى البحر، فإن نظام الهيمنة القائم هو بالضبط ما نسعى إلى إنهائه”.‏
ماذا يعني إنهاء نظام الهيمنة القائم عمليًا؟ يكتب الناشط والمؤلف والناشط الذي يحمل أيضًا جنسية الكيان والجنسية الأميركية:
“كل هذه العقود بعد ’أوسلو‘، يجب أن نكون في مكان ندرك فيه أنه لا يوجد حل من دون التحرير الكامل لفلسطين. وهذا يعني تفكيك الدولة الصهيونية وتحويل فلسطين إلى ديمقراطية تتمتع بحقوق متساوية كاملة، ويعني وضع آليات لتنفيذ عودة اللاجئين الفلسطينيين. قد لا تكون هذه قائمة شاملة، لكنها تحتوي على العناصر التي من دونها سنكون عالقين مع الفصل العنصري والعنف في المستقبل المنظور”.
لا يختلف هذا الوصف عن ما يعتبره الكثيرون تطرفًا من فلسطيني يقول إنني أريد العودة إلى مدينتي في فلسطين 1948 وأن يكون بلدي حرًّا من حكم الكيان الصهيوني. ‏وسواء قال بيليد ذلك أو قاله فلسطيني، فإنه يعني إسقاط المشروع الاستعماري-الاستيطاني الصهيوني الذي هو بطبيعته إبادي وإقصائي ويشترط إلغاء الشعب الفلسطيني، أيديولوجية وممارسة. ولا بأس بعد سقوط هذا المشروع من تسمية هذا الحل أي شيء. ومن الواضح أنه حل لا يتحقق إلا بالقوة –أو بتغير مستحيل في شخصية المستعمِرين الوحشيين الناشئين على العنف، بحيث يخرجون بالملايين في الشوارع للمطالبة بمشاركة كل الفلسطينيين العيش على هذه الأرض كشعب واحد ليس فيه من يريد أن يسلب الآخر أو يهيمن عليه أو حتى يحمل له أي ضغينة. يا لها من يوتوبيا! ومن لا يريد شيئًا مثل ذلك؟
يشرح موقع “اللجنة الأميركية-اليهودية” AJC فكرة “من النهر إلى البحر” تحت عنوان “ترجمة الكراهية”، فيقول إنها “العبارة الشاملة التي ترمز إلى السيطرة الفلسطينية على كامل أراضي حدود إسرائيل، من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط‏”. ويضيف: “‏’فلسطين حرة من النهر إلى البحر‘ هي دعوة مشتركة لحمل السلاح للنشطاء المؤيدين للفلسطينيين، وخاصة الناشطين الطلابيين في حرم الجامعات. ويدعو إلى قيام دولة فلسطين من الأردن النهر إلى البحر الأبيض المتوسط محو دولة إسرائيل وشعبها”. ويخلص إلى أن “الدعوة إلى القضاء على الدولة اليهودية، أو الإشادة بحماس أو غيرها من الكيانات التي تدعو إلى تدمير إسرائيل، أو الإيحاء بأن اليهود وحدهم ليس لديهم الحق في تقرير المصير، هي أمر معاد للسامية”.
هذا هو الفهم الغالب للصراع في سياسة الكيان وعقيدته. إنه يعتبر أن حق اليهود في تقرير المصير يعني حقهم في تجريد الفلسطينيين من تقرير مصيرهم. ولذلك سيكون مبدأ “من النهر إلى البحر” مرفوضًا بأي مفهوم وأي تفسير ينطوي على أي ذكر للفلسطينيين، ومقبولًا تمامًا عندما يعني “إسرائيل من النهر إلى البحر”..
في المقابل، يكتب الصحفي البريطاني كريس هيدجز: “اسأل نفسك، لو كنتَ فلسطينيًا في غزة وحصلتَ على سلاح، فماذا ستفعل؟ إذا قتلَت إسرائيل عائلتك، كيف سيكون رد فعلك؟ لماذا تهتم بالقانون الدولي أو الإنساني عندما تعلم أنه ينطبق فقط على المظلومين وليس على الظالمين؟ وإذا كان الإرهاب هو ‏‏اللغة‏‏ الوحيدة التي ‏‏ تستخدمها إسرائيل للتواصل، اللغة الوحيدة التي تفهمها على ما يبدو، ألن ترد عليها بالإرهاب”؟
يتعلق تعريف “الإرهاب” و”الدفاع عن النفس” و”المقاومة” بمن يملك سلطة التعريف. لكن حل المشكلة الفلسطينية، من المنظور الفلسطيني الغالب، لا يمتلك ترف الاختيار. إنه مُجبر على الاحتفاظ بتعريفاته كمسألة وجود. وهو وجود يقتضي بطبيعته ضرورة إلغاء النقيض الاستعماري الصهيوني، كفكرة ومشروع، وتفكيكه بكل مكوناته. وكل ما عدا ذلك إدارة للصراع، وليس حلًا نهائيًا بأي معيار.