حصادنيوز-نشر موقع “ناشيونال إنترست” مقالا للكاتب والمحلل السوداني الفاضل إبراهيم، قال فيه إن السودان أصبح في 15 نيسان/ أبريل رابع دولة في الربيع العربي تنزلق إلى حرب أهلية، حيث وُضعت القوات المسلحة السودانية بقيادة عبد الفتاح البرهان في مواجهة قوات الدعم السريع التابعة للجنرال محمد حمدان دقلو “حميدتي”.
وقال الكاتب إن الأجانب والدبلوماسيين دهشوا من سرعة اندلاع النزاع، رغم ما تقوم به الأجهزة الاستخباراتية من مراقبة الوضع. وبعد خروج الأجانب والبعثات الدبلوماسية، شهدت مناطق الخرطوم ودارفور نزوحا تدريجيا للسكان، وهما المنطقتان اللتان ركزت قوات الدعم السريع عليهما.
وأضاف في مقاله أن تورط الإمارات في الصراع السوداني واضح للعيان. فبينما كان الدبلوماسيون الأجانب يغادرون السودان، تحدث مراسلون محليون عن غياب السفير الإماراتي حمد الجنيبي عن الخرطوم عندما بدأت الحرب. وأعقب ذلك عودته المفاجئة إلى بورتسودان عن طريق البحر في الأيام الأولى للصراع. جاء ذلك في وقت تم فيه إغلاق المجال الجوي في عموم البلاد عقب اندلاع أعمال العنف.
وبينما تم كل ذلك تحت ستار الجهود الإنسانية وجهود صنع السلام، نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تحقيقا استقصائيا أكدت ما شك فيه الكثيرون بالفعل، وهو أن شحنات الأسلحة من الإمارات تم تمريرها على أنها مساعدات إنسانية متجهة إلى أم جرس او أمجاراس في تشاد عبر أوغندا.
وكانت هذه الأسلحة مخصصة للوكيل المحلي للإمارات، قوات الدعم السريع، في غرب السودان. بالإضافة إلى ذلك، كشفت شبكة “سي إن إن” أن شحنات صواريخ أرض- جو كانت متجهة إلى قوات الدعم السريع عبر رحلات جوية تنقل المعدات من اللاذقية في سوريا، إلى قاعدة الخادم في ليبيا، ثم تم إسقاطها بمظلات من الجو في شمال غرب السودان، حيث تتمتع قوات الدعم السريع بحضور قوي.
ويستدرك الكاتب قائلا إن هناك أدلة على أن الإمارات تمول مجموعة فاغنر في ليبيا للمساعدة في تخفيف العبء المالي عن روسيا لعملياتها في ليبيا، وتنشر هذه القوات لدعم حليفها، الجنرال خليفة حفتر، الذي يقاتل الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس.
ولا حاجة للقول عن علاقة الإمارات والدعم السريع، فهي موثقة. ونشر حميدتي مقاتلين في اليمن، دعما للتحالف السعودي- الإماراتي ضد الحوثيين.
وجنى حميدتي المليارات من الاستعانة بمصادر خارجية للقوات بالإضافة إلى عمليات تجارة الذهب مع مجموعة فاغنر والإمارات، حيث ينتهي فيها معظم الذهب غير المصرح عنه في السودان. ثم وظف بعض هذه الأموال لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد السوداني بعد ثورة 2019 بوديعة بنكية بقيمة مليار دولار في البنك المركزي. وكان الهدف من هذه الخطوة تبييض ماضي حميدتي المتقلب كزعيم ميليشيا في دارفور، لكنها بدلا من ذلك أثارت المزيد من الأسئلة حول سبب حصوله على هذه الأموال الطائلة ابتداء.
وبينما كانت أبو ظبي تؤجج نيران الصراع، لم تكن الأحداث في صالح خادمها بالسودان. تمكن الجنرال عبد الفتاح البرهان، قائد الجيش من الخروج من مقر قيادة الجيش في الخرطوم، حيث كان محتجزا منذ بدء القتال في 15 نيسان/ أبريل. وكان هروبه غير المتوقع، حيث كان محاطا بمقاتلي قوات الدعم السريع، بمثابة صدمة للجميع، خاصة قوات الدعم السريع، التي كانت تريد اعتقاله أو قتله.
وفي حين أن التفاصيل ضئيلة، فإن زيارة البرهان اللاحقة إلى مصر، الحليف الأقرب للقوات المسلحة السودانية، إلى جانب رئيس جهاز المخابرات العامة أحمد إبراهيم مفضل، تركزت بشكل واضح على الحصول على المساعدة العسكرية. ومنذ ذلك الحين، قام البرهان برحلات دولية إلى جنوب السودان وقطر، لحشد المزيد من الدعم والشرعية لحملته ضد الجماعة شبه العسكرية، وفي الوقت نفسه، أدى افتقار حميدتي إلى الظهور العلني منذ تموز/ يوليو إلى إثارة شائعات عن وفاته أو عجزه. ومن المرجح أيضا أن تتضاءل شهية المسؤولين الأجانب للتعامل أو الارتباط بحميدتي، على افتراض أنه على قيد الحياة وبصحة جيدة، نظرا للانتهاكات الجسيمة والمنهجية لحقوق الإنسان التي يرتكبها جنود قوات الدعم السريع.
وأشار الكاتب إلى أن قوات الدعم رغم سيطرتها على مناطق في الخرطوم والغرب، إلا أنها لم تتمكن من التوسع في ولايات السودان الـ18 الأخرى. واستطاعت التمترس نظرا لاستيلائها على منازل المدنيين في الخرطوم ونهب العربات التي يحتفظ بها جنودها أو بيعها من أجل الربح، أو استخدامها كجزء من عمليات قوات الدعم السريع لمساعدتهم على تجنب اكتشافهم من قبل طائرات القوات المسلحة السودانية.
ويعلق الكاتب أن اتهامات بانتهاكات حقوق انسان واغتصاب في الخرطوم ودارفور، قضت على حميدتي والمستقبل السياسي لقواته. وظهر سلطان قبيلة المساليت في دارفور، سعد بحر الدين، على قناة “الجزيرة” قبل فترة، وحمّل قوات الدعم السريع المسؤولية عن بسبب مذابح المدنيين ورجال قبيلته في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على شقيق حميدتي ونائبه، عبد الرحيم دقلو، بسبب الدور القيادي الذي يشغله في القوات التي “شاركت في أعمال العنف وانتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك ارتكاب مذابح ضد المدنيين والقتل العرقي واستخدام العنف الجنسي.” وبسبب الفظائع هذه، يقف عدد كبير من السودانيين الآن خلف القوات المسلحة السودانية، مع تطوع عشرات الآلاف للخدمة في الجيش وتأييد واسع النطاق لقرار حل قوات الدعم السريع من قبل البرهان، بصفته رئيسا للمجلس السيادي الذي لا يزال يحكم من الناحية الفنية.
ولا يستبعد الكاتب العودة لسلام نسبي أو تحقيق القوات المسلحة نصرا حاسما. فعلى خلاف ليبيا وسوريا واليمن، لم يتم تدويل النزاع الحالي، صحيح أن هناك جماعات مسلحة، لكنها تفتقد للرعاة الخارجيين ولا تشكل خطرا على الجيش. وقد حققت الحركة الشعبية لتحرير السودان- شمال، بقيادة عبد العزيز الحلو، مكاسب في جنوب كردفان، ظاهريا تغتنم الفرصة لكسب النفوذ ضد الجيش والحكومة في المفاوضات المستقبلية حول مصير المنطقة التي مزقتها الحرب. وتظل القوة التي تشكل تحديا للجيش هي الدعم السريع، حليفة الإمارات وفاغنر وحفتر. وطالما استمر الدعم، توسع القتل والدمار.
ويعلق الكاتب أن رهان الإمارات على حميدتي هو رهان خاسر، لعدة أسباب منها، تشوه صورة الدعم السريع بطريقة لا يمكن إصلاحها. وربما فكرت دول ونخب سياسية قبل الحرب بالتعامل معها كشريك محتمل في عملية الانتقال السياسي، إلا أن النظرة الحالية لها اليوم بأنها ميليشيا إبادة جماعية.
السبب الثاني، احتمال عدم انتصار الدعم السريع لأنها ركزت على الخرطوم وموطنها الأصلي، دارفور. ولذلك، تمركزت هذه القوات في الأحياء واستولت على البنية التحتية المدنية لشن حرب تعلم أن القوات المسلحة السودانية لا يمكنها الفوز بها دون تدمير العاصمة والمدن التي مزقتها المعارك في دارفور مثل نيالا والفاشر والجنينة. وقد أدى ذلك إلى خلق حالة من الجمود، مما أدى إلى تهيئة البلاد لحالة حرب طويلة الأمد.
السبب الثالث، وهو تشوه صورة الإمارات بين السودانيين نظرا لعلاقتها مع الجماعة شبه العسكرية، وهو ما سيحد من تأثيرها على مستقبل السودان. ومن المعروف أن دعاة الديمقراطية الذي أطاحوا بعمر البشير عام 2019، كانوا واضحين بمعارضتهم للإمارات والسعودية اللتين دعمتا المجلس الانتقالي الذي شارك فيه الجيش والدعم السريع.
والسبب الأخير، هو أن المصالح الاقتصادية والاستراتيجية للإمارات موجودة في المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية. إن ميناء أبو أمامة على البحر الأحمر، والذي تبلغ تكلفته مليارات الدولارات، والذي كان من المقرر أن تطوره مجموعة موانئ أبو ظبي، ومئات الآلاف من الأفدنة من الأراضي الزراعية التي تم تطويرها ومن المقرر زراعتها من قبل صناديق التنمية والشركات الإماراتية، تقع إلى حد كبير في ولايات تسيطر عليها القوات المسلحة السودانية.