أقدم حزب معارض في الجزائر ينتقد “الجمود السياسي” ويطلق مبادرة لمواجهة أزمات الداخل والخارج

 

حصادنيوز-عرضت جبهة القوى الاشتراكية في الجزائر، ملامح المبادرة السياسية التي تعتزم طرحها على الأحزاب ومختلف الفاعلين، من أجل كسر ما تصفه بـ”الجمود السياسي” ومواجهة “مخططات زعزعة الاستقرار” التي تواجهها البلاد.

وفي مداخلته خلال ندوة صحافية، جعل الأمين الأول للحزب يوسف أوشيش من استبعاد الجزائر من قائمة المنضمين لمجموعة بريكس، نقطة انطلاق ليقول إنه يتوجب على السلطات “من دون تهويل أو تقليل أن تستخلص العبر، تعيد النظر، تتخلص من كل تعامل ديماغوجي شعبوي وتعالج مكامن الهشاشة ونقاط الضعف الهيكلية، سياسية كانت أو اقتصادية، اجتماعية أو ثقافية”.

وأبرز أوشيش أن “المقومات التي تتوفر عليها بلادنا الأكبر مساحة في إفريقيا من موارد طبيعية وافرة، وطاقات شبابية نشطة وخلاقة ورصيد سياسي وحضاري وجيش قوي، تؤهلها لتصبح لاعبا إقليميا لا غنى عنه في بناء فضاء من السلام والازدهار في محيطها المغاربي والإفريقي والعربي والمتوسطي”، في حين يقول إن “الجمود السياسي الحالي وغياب آفاق حقيقية، هو واقع يتباين مع هذا التطلع الوطني ويتناقض معه، بل ويعرضنا بأن نبقى محكوما علينا، في غياب وعي جماعي، بتحمل وتكبد الآثار الوخيمة لعالم يعيش تحولات عميقة”.

واعتبر مسؤول أقدم حزب معارض، أن “الجمود السياسي” مفروض بسلسة من الأحكام القانونية التي تتعارض مع مبادئ دولة القانون من شأنها تعزيز مناخ انعدام الثقة وتغذية مشاعر الانهزامية، الرضوخ والانسحاب”، متسائلا: “كيف لنا في ظل هذه الظروف أن نجابه بفعالية استراتيجيات زعزعة الاستقرار داخلية كانت أو خارجية والتي تهدف إلى كسر الروابط بين الشعب الجزائري ومؤسسات الدولة؟”.

وفي اعتقاد القوى الاشتراكية، فإن الاستقرار والأمن القومي يتطلبان، أكثر من أي وقت مضى، تعزيز الرابط الوطني والإشراك الفعلي والفعال للنخب الوطنية، كل النخب سواء المتواجدة بالداخل أو تلك المقيمة بالخارج”. وأشار أوشيش في هذه النقطة، إلى أن للأحزاب السياسية دور أساسي لتؤديه في تعزيز استقرارالبلاد بتمكينها من التعبئة والتوعية بخصوص التحديات الاستراتيجية الكبرى عبر عملها على رفع مستوى الوعي السياسي لمواطنينا”.

لكن ما يجري بحسبه، أن هناك تهميشا لدور الأحزاب السياسية وسعيا لاستبدالها بـ”مجتمع مدني” افتراضي يشجع العزوف السياسي لمواطنينا ويجعل مجتمعنا قابلا للتلاعب بكل أشكاله. وهنا، لفت أوشيش إلى أن “تحييد كافة قنوات التعبير السياسي يهدد بتوسيع الهوة بين الشعب ومسؤوليه ويقوي من قدرات الإضرار لدى المتطرفين بمختلف توجهاتهم ومواقعهم”.

ولتجاوز ذلك، قال إن حزبه قرر الانطلاق في مبادرة سياسية موجهة إلى كل القوى السياسية التي تلزم في آن واحد، بالدفاع عن دولة القانون، الحريات والعدالة الاجتماعية وبالمواجهة الحازمة وبكل الصرامة المطلوبة عندما يتعلق الأمر بمحاولات، داخلية أم خارجية، تهدف إلى المساس بسلامة ووحدة البلاد وبالدولة ومؤسساتها وتحت أي ذريعة كانت”.

وأبرز أن هذه المبادرة تهدف إلى تجاوز الخلافات الأيديولوجية دون إنكارها، وتندرج بعيدا عن الاستحقاقات الانتخابية، حيث لكل حزب الحرية في أجندته الانتخابية ككل. كما تسعى لتكون توافقية وبناءة، فهي غير موجهة ضد أي طرف، ولا تهدف للدخول في منافسة مع مبادرات أخرى. وتهدف أيضا إلى “إعادة الاعتبار للفعل السياسي وللسياسة وإلى تحرير ديناميكية تعزز الدولة الوطنية عبر خلق مناخ من التهدئة واستحضار الشروط الضرورية للانخراط السياسي لمواطنينا”.

وفي سياق التحضير للمبادرة، أعلن حزب القوى الاشتراكية، أن مشاوراته مع الأحزاب ستدور حول الإشكالات المتعلقة بكيفية بناء وتقوية  الجبهة الوطنية من أجل تحييد كل التهديدات التي تستهدف الدولة الوطنية ووحدة البلاد وسيادتها، وستناقش كيفية التوفيق بين مواجهة كل أشكال التخريب والتفرقة والتدخل في شؤون الجزائر وضرورة احترام التعددية السياسية، الحريات الأساسية وحقوق الإنسان، كما ستطرح مسألة الإصلاحات السياسية التي ينبغي الشروع فيها لتكريس دولة الحق والقانون وتعزيز شرعية المؤسسات المنتخبة على الصعيد الوطني أو المحلي وتجسيد ديمقراطية تمثيلية وتشاركية حقيقية، بالإضافة لمسألة الإصلاحات السياسية وكسب معركة التنمية.

ورغم التوافق بين طرح جبهة القوى الاشتراكية مع المبادرة الأخيرة التي أطلقتها أحزاب الموالاة بعنوان “التلاحم وضمان المستقبل”، حول قضايا تحصين البلاد ومواجهة الخطر الخارجي في ظل الظروف الإقليمية التي تزداد تأزما، يظهر التباين معهما جليا في الأمور المتعلقة بالعمل السياسي وحقوق الإنسان والمناخ الإعلامي، وهي قضايا لا ترى الأحزاب الموالية أنها تستدعي المراجعة، بل هي تثمن إصلاحات الرئيس التي باشرها في هذا الصدد وأنتجت التعديل الدستوري وعشرات القوانين الكبرى المصاحبة.

وبدا واضحا أن مبادرة تعزيز التلاحم التي انطلقت قبل أشهر بنداء من رئيس حركة البناء الوطني عبد القادر بن قرينة، قد عجزت عن جمع أحزاب المعارضة في صفها حتى من القوى المعتدلة مثل حركة مجتمع السلم، وهي نقطة ضعف أدركها باقي المشاركين في المبادرة من كبرى أحزاب الموالاة مثل جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل الذين طالبوا بالانفتاح على أحزاب معارضة.

ولا يُتوقع في السياق الحالي، وفق مراقبين، بسبب عجز أحزاب الموالاة والمعارضة عن إيجاد صيغة للتوافق حول المسائل الداخلية، أن تكون المبادرات المطروحة قادرة على الجمع من خارج توجهات أصحابها، كما أن تزامنها مع الموعد الرئاسي المنتظر السنة المقبلة، سيجعل من الأحزاب السياسية تتحول سريعا إلى الاهتمام بهذا الموعد الذي يضمن لها دورا وحضورا في الساحة السياسية والإعلامية.