حصادنيوز-نشرت صحيفة “واشنطن بوست” افتتاحية دعت فيها إدارة الرئيس جو بايدن تسمية الانقلاب في النيجر باسمه الحقيقي: انقلاب.
فمنذ قيام الجنود العصاة في النيجر بإزاحة الرئيس محمد بازوم عن السلطة، علقت الولايات المتحدة التعاون الأمني مع جيش النيجر في الحرب ضد الجماعات الإسلامية المتشددة، وأعلنت وزارة الخارجية عن عملية إجلاء جزئي للموظفين غير الضروريين بالسفارة الأمريكية في نيامي، ودعا الرئيس بايدن العسكر في النيجر للإفراج الفوري عن الرئيس المعزول بازوم المعتقل مع عائلته في القصر الرئاسي.
والشيء الوحيد الذي لم تفعله إدارة بايدن هو تسمية الإطاحة غير القانونية وبالقوة للرئيس المنتخب ديمقراطيا “انقلابا عسكريا”، و”يجب أن يتغير هذا إن أرادت الولايات المتحدة الحفاظ على مصداقيتها في القارة الإفريقية”.
وشجب جيران النيجر، بما فيها المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) والاتحاد الأوروبي وفرنسا سيطرة العسكر على الحكم. ولا تزال الولايات المتحدة مترددة في اتخاذ موقف واضح، حيث يأمل المسؤولون بأن تحقق الدبلوماسية ثمارها وتقنع الجنود بالعودة إلى ثكناتهم وإعادة بازوم إلى الحكم.
إلا أن الحل الدبلوماسي يبدو بعيد المنال، فبعد شهر تقريبا على عزل بازوم واستبداله بقائد الحرس الرئاسي الجنرال عبد الرحمن تشياني، يبدو العسكر راسخين في الحكم. وجاء التهديد من إيكواس للعسكر بالتخلي عن السلطة في مدى أسبوع، وإلا واجهوا التدخل العسكري، ومضى. ولا يوجد هناك أي حديث جدي عن التدخل العسكري، ربما لأن العسكر هددوا بقتل بازوم لو حدث الهجوم. كما أن الكثير من المدنيين النيجريين عبروا عن دعمهم العلني لهذا التحرك غير القانوني، بل وتعهدوا بحمل السلاح ضد أي تدخل خارجي. ودعمت جارتا النيجر، مالي وبوركينا فاسو، وكلاهما تحت حكم العسكر، النخبة العسكرية الجديدة في نيامي. ورفض العسكر عددا من المناشدات الدبلوماسية.
ويتحدث حكام النيجر الجدد الآن عن تقديم بازوم إلى المحكمة بتهمة “الخيانة العظمى”، ولو أدين فسيواجه الإعدام. وعلى ما يبدو فقد منع الرئيس المعزول وعائلته من الاتصال بالعالم الخارجي. وتقول جماعات حقوق الإنسان إنها لا تستطيع التواصل مع مسؤولي حكومة بازوم الذين اعتقلوا بعد الانقلاب.
وتعلق الصحيفة أن تردد الإدارة مفهوم، فبحسب القانون الأمريكي، فتصنيف الانقلاب يتطلب من الخارجية وقف دعمها الخارجي والمساعدة العسكرية وسحب القوات الأمريكية التي تعيش حاليا داخل قواعدها العسكرية. وتعتبر النيجر نقطة انطلاق حيوية في مكافحة الإرهاب ومواجهة الجماعات الإسلامية المتشددة المرتبطة بالقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية بمنطقة الساحل المضطربة.
ومنذ أن بعث الرئيس باراك أوباما في 2013 أول 100 جندي أمريكي لتنسيق جهود التبادل الاستخباراتي مع النيجر ومساعدة القوات الفرنسية في مالي، توسعت المهمة الأمريكية هناك وأصبحت 1.100 جندي وعناصر لتدريب قوات النيجر إلى جانب قواعد لانطلاق المسيرات.
وتعتبر النيجر، اختبارا لإستراتيجية الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في مرحلة ما بعد أفغانستان، وهي إستراتيجية تقوم على وضع أعداد قليلة من الجنود في المناطق الساخنة حول العالم لمواجهة التهديدات الناشئة. وسيفاقم التخلي عن النيجر حالة عدم الاستقرار بمنقطة الساحل، حيث سيشعر الجهاديون بالجرأة، وسيزيد التشرد للمدنيين وينشأ فراغ تستغله مجموعة فاغنر الروسية للمرتزقة.
ومنذ تولي بازوم السلطة في 2021 في أول عملية نقل سلمي للسلطة منذ استقلال البلاد، تحولت النيجر إلى ساحة مهمة، وليس من الزاوية الأمنية فقط، فقد برزت النيجر التي لا منفذ لها على البحر، نموذجا ديمقراطيا في منطقة تعرف باسم “حزام الانقلابات”. وهذه هي خيارات صعبة تواجه الإدارة، ليس في النيجر ولكن حول العالم، في وقت تحاول فيه الموازنة بين دعمها للديمقراطية مع واقع غير مريح، ومع المشكلات الملحة، مثل مواجهة الإرهاب وعزل روسيا التوسعية واحتواء الصين، كل هذا يعني التعامل مع حكومات غير مرغوب فيها واستبداديين يرفضون المبادئ الديمقراطية ويدوسون على حقوق الإنسان.
ومنذ الإطاحة ببازم، تبحث إدارة بايدن، وتحديدا الجيش، عن طرق للحفاظ على الوجود الأمريكي في النيجر ومواصلة تعاونها مع القوات المسلحة هناك. وتعاون الجيشان بشكل وثيق خلال العقد الماضي، والضباط يعرفون بعضهم بعضا، ولا ينظر إلى الضباط العسكريين في النيجر بأنهم معادون لأمريكا.
وتقترح الصحيفة مخرجا من المأزق، فالميزانية الشاملة التي أقرها الكونغرس هذا العام، تحتوي على بنود لم يتم الحديث عنها كثيرا، مثل السماح لوزير الخارجية بأن يصدر إعفاء بناء على مصالح الأمن القومي، في حال قيام جيش بلد بالإطاحة بحكومة ديمقراطية فيه، بشكل يؤدي إلى وقف الولايات المتحدة مساعداتها.
وفي النيجر، فكل الأسباب التي سيقت أعلاه، فإن إعفاء مؤقتا ربما سمح بتعاون محدود مع الجيش والحصول على مزيد من الوقت لمعرفة إن أثمرت الجهود الدبلوماسية. ويجب منح الإعفاء بدون أي تلميح بأن هذا هو قبول بالواقع الراهن الناشئ بعد الانقلاب وبدون التخلي عن مطلب الإفراج عن بازوم.
كل هذا لا يعني نسيان الخطوة الأولى وهي أن الانقلاب هو انقلاب.