حصادنيوز-الفاتيكان: كان بنديكتوس السادس عشر أوّل بابا يلتزم بمساعدة ضحايا الاعتداءات الجنسية المرتكبة من رجال دين، في مبادرة ساهمت في دفع الأمور قدماً، لكن لطّختها اتهامات بسوء إدارة لحالات كهذه في ألمانيا.
في مطلع العام 2022، عندما كان يوزيف راتسينغر يمضي أيّاما هانئة في الفاتيكان، بعد اعتزاله البابوية، صدر تقرير ألماني اتّهمه بأنه لم يتخذ أيّ تدبير لإقصاء أربعة رجال دين يُشتبه بارتكابهم أعمال عنف جنسية على قاصرين، عندما كان رئيس أساقفة ميونيخ في الثمانينات.
وأكّد مستشاروه من جانبهم “أنه لم يعمد إلى محاولة إخفاء أعمال استغلال”. غير أن عالم اللاهوت الحصيف والمنزوي سبق أن كان موضع انتقاد لكيفية تعامله مع عدّة حالات مشبوهة من الاعتداءات الجنسية طالت كهنة من أنحاء العالم.
وإذا كانت فضيحة العنف الجنسي قد برزت في النصف الثاني من الثمانينات، كان لا بدّ من الانتظار حتّى العام 2001 ليقوم البابا يوحنا بولس الثاني بالطلب من الأساقفة إحالة المسألة على مجمّع عقيدة الإيمان. وأُخذ على المونسنيور راتسينغر، الذي كان على رأس هذه الهيئة الواسعة النفوذ لأربعة وعشرين عاماً، والذي كان من كبار المتمسّكين بالخطّ التقليدي في مسائل الآداب العامة، أنه لم يدرك حقّ إدراك هول المشكلة.
وفي رسالة سرية في 2001، أعلن الكاردينال الألماني أن حالات الجرائم الجنسية المرتكبة في حقّ أطفال ينبغي أن تدار من قبل المجمع وتوسم بالسرّية البابوية، في قرار رأى فيه بعض المراقبين محاولة لحماية المسؤولين.
لكن، خلافاً لبعض الشخصيات البارزة في الفاتيكان، التي ندّدت بما وصفته مؤامرة إعلامية، اعترف بنديكتوس السادس عشر بـ “خطايا” الكنيسة، مطلقاً عملية “تطهيرية” فور انتخابه سنة 2005 أفضت إلى إقالة عشرات الأساقفة
سوابق تاريخية
في العام 2006، اتّخذ بنديكتوس السادس عشر قراراً قوياً في حقّ الكاهن المكسيكي الذائع الصيت مارسيال ماسييل ديغولادو، مؤسس “جند المسيح”، الذي لطالما أشاد البابا يوحنا بولس الثاني بذكراه، فتمّ إقصاؤه إثر تحقيق أثبت اتهامات خطرة في حقّه.
وبعد سنتين، أصبح بنديكتوس أوّل بابا يلتقي ضحايا عنف جنسي في الولايات المتحدة وأستراليا، مؤكداً أن الكلمات تخونه “لوصف ما لحق بهم من معاناة وأذية”.
وكان أيضاً أول حبر أعظم خصّص وثيقة لهذه المسألة، مع نشره في العام 2010 رسالة إلى كاثوليك إيرلندا، إثر الكشف عن آلاف الحالات هناك. وكتب في الرسالة أنه يتفهّم “استياءهم” و”شعورهم بالخيانة”.
وقال ياكوبو سكاراموتسي، المتخصّص في شؤون الفاتيكان في صحيفة “لا ريبوبليكا” الإيطالية، لوكالة فرانس برس: “هو الذي فتح بصفته البابوية هذه الصفحة المأسوية… وتقبّل النقد ووضع معايير جديدة والتقى الضحايا… كان أكثر حزماً بكثير من يوحنا بولس الثاني”.
هذه المساعي لـ “تطهير” الكنيسة، التي أفضت إلى إقصاء حوالى 400 كاهن، تواصلت مع البابا فرنسيس الذي أتى بجديد على صعيد الآداب السلوكية والقوانين الكنسية، على غرار تشكيل لجنة لحماية القاصرين.
“المغفرة”
غير أن الحزم الذي تحلّى به بنديكتوس السادس عشر في مواجهة هذه الآفة فقد من وهجه سنة 2019 عندما عزا “البابا الفخري” بعد ست سنوات على تنحيه، فضائح الجرائم الجنسية في حقّ الأطفال إلى الثورة الجنسية في الستينات، مثيراً صدمة في أوساط بعض علماء اللاهوت وسخط جمعيات تعنى بمساعدة الضحايا.
وبالنسبة إلى ياكوبو سكاراموتسي، فقد أخطأ بنديكتوس السادس عشر “في التحليل عازياً المشكلة إلى العلمنة وأحداث أيار/مايو 1968” التي شهدت احتجاجات لا سابق لها للطلاب والعمال في فرنسا.
وفي العام 2022، إثر تقرير لمكتب محاماة ألماني اتّهمه بالإهمال في إدارة الجرائم الجنسية في حقّ الأطفال، خرج عن صمته ليطلب “المغفرة”، مؤكداً أنه لم يقم يوماً بحماية كهنة ارتكبوا أفعالاً من هذا النوع.
وكتب: “توليتُ مسؤوليات كبيرة في الكنيسة الكاثوليكية. والألم أيضاً كبير بسبب أفعال الاستغلال والأخطاء التي ارتكبت خلال عهدي في مواقع مختلفة”. لكن مساعيه لم تفلح في إقناع جمعيات الضحايا.
(أ ف ب)