حصادنيوز-دون أن يدري الاحتلال تحول فتحي حازم، العقيد المتقاعد في جهاز قوات الأمن الوطني ووالد الشهيد رعد، إلى أيقونة نضالية فلسطينية تلتف حولها الجماهير في سبيل حمايته من محاولات الاحتلال اعتقاله أو اغتياله.
وما شهدته مدينة ومخيم جنين، مساء الاحد وحتى صباح الاثنين، يدلل على مقدار هذا الالتفاف الجماهيري على هذه الشخصية التي بدت وكأنها خرجت إلى النور قادمة من معارك مخيم جنين عام 2002.
وحسب القيادي في حركة فتح جمال حويل فإن الاحتلال يريد “الجنرال أبو رعد” فيما المدينة ومخيمها يقولان إن ذلك لن يحدث طالما أن الجنرال لا يريد تسليم نفسه.
ورغم كمية التهديدات خلال الأيام الأربعة الماضية من ضباط الشاباك عبر الاتصال المباشر معه والطلب منه تسليم نفسه وتهديده بالاغتيال إلا أن أبو رعد يرفض كل هذه الطلبات، وفي آخر التعليقات قال: “لن أسلم نفسي طالما لم اتسلم جثة ابني لدفنها”.
وبدأ مسلسل استهداف العقيد فتحي بعد أن خطب في الجماهير التي جاءته مهنئة باستشهاد ابنه الذي نفذ عملية شارع “ديزنغوف” الشهير في تل أبيب التي قتل فيها 3 إسرائيليين. في ذلك الصباح وقف العقيد فتحي واثقا على شرفة بيته المطلة على ساحة صغيرة تجمهر فيها مئات الشبان وخطب فيهم مطولا بطريقة حماسية ألهمت وألهبت مشاعر الجميع، ووضع فعل ابنه المقاوم في سياق أعم وأوسع مما تريد تقديمه الرواية الاحتلالية. كلمات الأب المناضل والشاهد على معركة المخيم قبل 20 عاما انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي مثلما تفعل النار بالهشيم. وفي الكلمة أكد أنه كأب راض تماما عن ابنه الفدائي وعما فعل.
وفور انتهاء الكلمة التي وصفها مراقبون بأنها “أكبر من خطبة” قال القيادي الفتحاوي جمال حويل: “هذه الكلمة أو الخطبة يجب أن تكتب وتصبح وثيقة النضال، وثيقة المخيم والمقاومة”.
ويبدو أن الاحتلال انزعج كثيرا لموقف الوالد الواضح والذي لا لبس فيه من الاحتلال والاستشهاد في سبيل مقاومته، وهو ما جعل مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، حسب وسائل إعلام إسرائيلية، أن يطلب من الإدارة الأمريكية أن تطلب من الرئيس الفلسطيني محمود عباس قطع الراتب التقاعدي لفتحي حازم، لكونه موظفا متقاعدا في السلطة الفلسطينية، وكذلك عدم منح الأسرة مخصصاتها المستحقة كأسرة شهيد.
أول الإجراءات الميدانية بحق عائلة والد رعد كانت قبل يومين عندما اقتحمت قوات معززة مخيم جنين صباحا حيث داهمت منزل رعد ومنزل العائلة من دون أن تجد أيا من أفرادها. ودارت اشتباكات عنيفة على مدى ساعتين سقط خلالها الشهيد أحمد السعدي من مخيم جنين.
محاولة اغتيال أسرته
البارحة مساء وقبل الإفطار بقليل وقبل أن يجف دم شهيدة مدينة بيت لحم الأرملة الأربعينية غادة سباتين (45 عاما) من مدينة بيت لحم التي أعدمها الجنود بدم بارد على حاجز احتلالي، كان الاحتلال يخطط لجريمة جديدة عبر استهداف مركبة في مدينة جنين كانت تضم 3 أفراد من أسرة “الجنرال أبو رعد”. استهدفت القوات الخاصة سيارة العائلة التي ضمت شقيق الشهيد وأمه وأخاه الصغير.
وحسب شهود عيان فقد كانت خطة محكمة وكفيلة بقتلهم جميعا (الثلاثة من ذات العائلة التي أصبحت مطاردة) في استعراض انتقامي يتوقع الفلسطينيون في المدينة استمراره في قادم الأيام.
في شهادة شقيق رعد ما يدلل على رغبة الاحتلال في قتلهم أثناء تجولهم في فترة ما قبل الغروب من أجل شراء حاجيات الإفطار.
يقول الشاب: “بما أننا نعيش حاليا متفرقين بفعل استهداف منزلنا فقد اتفقت مع أمي على اللقاء بها لشراء مجموعة من الأغراض في منطقة تحمل اسم “المنطقة الصناعية” القريبة من حاجز الجلمة المغلق منذ ثلاثة أيام”.
تفاجأ الشاب الصغير بمحاولة سيارة جيب عسكري إسرائيلية الاصطدام مباشرة بالسيارة التي يقودها، وهو المؤشر الأول على أنهم يسعون للقتل حيث بمجرد هروبه منهم بدأ الرصاص يخترق زجاج وجسد السيارة المعدني.
قال الفتي لوالدته: “كبري يما، خلص سنصبح شهداء ونذهب عند أخوي رعد”.
لم يتوقف الأمر على هذا النحو حيث انهمر الرصاص من مجموعة من القناصين الذين تمركزوا على أسطح بنايات مجاورة لكن الفتى الصغير تمكن من المناورة والهرب لكن الرصاصات التي بقيت على جسد وزجاج السيارة تدلل على أن جريمة مؤكدة لم يتمكن الاحتلال من تنفيذها.
وعبثا، لم تخرج قوات الاحتلال إلا بعد أن زرعت في خاصرة الفتى محمد زكارنة (17 عاما) رصاصة دمدم من النوع المتفجر ليعلن مع صبيحة الاثنين خبر استشهاده بعد محاولات طبية حثيثة لإنقاذ حياته.
وحسب روايات شهود عيان فإن سيارة جيب عسكري اصطدمت بالدراجة الهوائية التي كان يقودها الفتى، ومن ثم أطلق عليه أحد أفراد القوة الخاصة في المكان رصاصة متفجرة استقرت في خاصرته فمزقتها.
ويعمل زكارنة، الذي توقف قلبه بعد نزيف حاد تمام الساعة السابعة صباح الاثنين، على بسطة لبيع الشاي والقهوة في “المنطقة الصناعية” في جنين.
وبعد فشل العملية الانتقامية جاء الاتصال الهاتفي من ضابط في الشاباك للمرة الرابعة بفتحي والد الشهيد مهددا إياه مرة ثالثة باقتحام مخيم جنين إذا لم يقم بتسليم نفسه خلال ساعتين من الآن.
وفور انتشار الأنباء عن عملية الاغتيال الفاشلة والاتصال بـ”الجنرال أبو رعد” وفحواه حتى انقلب واقع المدينة ومخيمها. وانطلق عشرات الشبان في أكبر عملية لإغلاق المدينة، وبدأ ذلك بأغلاق شارع الناصرة الرئيسي الذي يربط المدينة بحاجز الجلمة الذي يعتبر مركزا لاقتحامات قوات الاحتلال للمدينة. وجلب الشبان عبر سيارات مخصصة مئات الإطارات فيما تم وضع حاويات القمامة وحجارة ضخمة وسط الشارع الرئيسي لإفشال مخطط اقتحام المدينة.
وتعاني المدينة منذ ثلاثة أيام من حالة ركود تجارية بفعل إجراءات الاحتلال الإسرائيلية التي منعت الفلسطينيين من مناطق 48 من دخول المدينة عبر حاجزي الجلمة وبرطعة. أما في منطقة المخيم فقد قام الشبان بسد أغلب الطرقات إليه، وطوال ساعات عمل شبان من مختلف التنظيمات على وضع متاريس حديدية وحجرية لضمان إعاقة دخول الدوريات الإسرائيلية. وتجمع الشبان على شكل مجموعات في مناطق متفرقة من مداخل المخيم فيما قام البعض بفتح الأغاني الوطنية والثورية التي أعادت الأجواء الحماسية للمخيم الذي احتفل قبل أيام بالذكرى العشرين لاحتياجه.
ووسط دوار المدينة الرئيسي الذي يحمل اسم “دوار الشهيد أبو علي مصطفى” انتظر عشرات المسلحين المحسوبين على كتائب شهداء الأقصى دخول الدوريات الإسرائيلية للمدينة. وطال الانتظار لما بعد الفجر من دون أن يحدث الاقتحام الذي وعد به ضابط الشاباك أبو رعد.
وطوال ساعات الليل أعلنت مساجد مخيم جنين وكذلك مساجد محافظة المدينة النفير العام وطالبت الفصائل الفلسطينية المدنيين بإخلاء الشوارع وعدم تصوير المقاومين وطلبت من المقاومين الحيطة والحذر. ومع ساعات ما قبل الفجر كانت مكبرات الصوت في المساجد في محافظة جنين تطالب المواطنين بالعمل على إسناد المدينة المحاصرة.
جمال حويل، القيادي في حركة فتح قال إن المشاهد تعكس صورة للمخيم في نيسان/ابريل من عام 2002، إنها “الصورة نفسها”. وتابع: “الفرق أن من كانوا صغارا قبل 20 عاما أصبحوا اليوم مقاتلين ومستعدين للدفاع عن المخيم”. وشدد حويل أن كلمات الجنرال أبو رعد المهدد بالاغتيال كانت رسالة لكل حر ولكل إنسان يمتلك ضميرا. وأضاف: “نحن نبحث عن الحياة الأفضل، وهذه الحياة التي نريدها بحاجة إلى بذل التضحيات، وشعبنا جاهز ومستعد للذهاب للحياة الأبدية في سبيل تحقيق حلمه بالحرية”. وأشار إلى أن المقاومة اليوم يقودها أبناء الشهداء وأبناء الاسرى الذين ولدوا بين الركام. “ومهما بذلت من جهود لمحاولات صهر وعي وهزيمة هؤلاء الشبان من الداخل فإن النتيجة هي الفشل، حيث أصبحوا اليوم أكثر شراسة وأكثر إيمانا وقناعة، إنهم شباب مظلوم، لاجئون، وضع اقتصادي سيء، والاحتلال يذكرهم بنفسه في كل تفاصيل حياتهم، وفي كل منطقة فلسطينية من غزة وصولا للقدس والشيخ جراح”. وأكد أن الجميع يريد الدفاع عن الجنرال أبو رعد.
الفصائل تدعو للنفير
إلى جانب ردة الفعل العفوية المتعلقة بالدفاع عن الجنرال المطلوب أعلنت الكتائب المسلحة النفير العام. وفي بيان “كتيبة جنين” أعلنت سرايا القدس التابعة لحركة الجهاد الإسلامي رفع حالة التأهب والنفير العام في صفوف مقاتليها للتصدي لأي عملية اقتحام يقدم عليها العدو الصهيوني بحق المخيم وأهله.
وفي بيان صادر عن قيادة كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة فتح، أعلنت أيضا حالة النفير العام بين مقاتليها وخلاياها النائمة لتصدي لهذه الهجمة الشرسة في مدينة جنين ومخيمها الباسل. وجاء في البيان إن الواجب الوطني والديني والأخلاقي يحتم عليها التصدي للمحتلين حتى “ردعهم وردهم الى جحورهم مهزومين مسحوقين مكسورين”.
وشارك عشرات الشبان من مدينة نابلس ورام الله، ليلة الأحد، في مسيرة حاشدة نصرة لمخيم جنين الذي يتعرض لاقتحامات متواصلة منذ أيام. وندد المشاركون في المسيرتين بسياسية الاحتلال واستهدافه مدينة جنين ومخيمها، ورددوا هتافات غاضبة تدعو للوقوف الى جانب جنين التي تواجه عدوان الاحتلال، ولنصرة أهلها.
وأعلنت القوى الوطنية والإسلامية في جنين الإضراب الشامل، حدادا على روح الشهيد محمد زكارنة، الذي أصبح يحمل الرقم 10 من شهداء المحافظة منذ بداية العام.