في اجتماع لوزراء داخليته، يوم الأحد في بروكسيل، حذَر الاتحاد الأوروبي من أن الاقتتال في أوكرانيا قد يؤدي إلى موجة نزوح كبير، يقدر عددها بـ 7 ملايين طالب للجوء. الأمر الذي وصفه المفوض الأوروبي المكلف إدارة الأزمات يانيس ليناريتش، بأن أوروبا “تشهد ما قد يصبح أكبر أزمة إنسانية في قارتنا الأوروبية منذ أعوام عديدة”.
تحذيرات أوروبية تتوافق ونظيرتها الدولية، إذ أكدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، الأحد، توافد أكثر من 368 ألف شخص فروا من أوكرانيا جراء الغزو الروسي على البلاد، على بلدان جوارها الغربي الخمسة. ضمنهم عدد كبير من الطلاب العرب الذين علقوا وسط الاقتتال المندلع منذ الخميس.
ويحكي هؤلاء الطلاب عن رحلة الهروب المحفوفة بالمخاطر، ومتاعب الوصول إلى الحدود، خصوصاً وأن كثير منهم قدم من أقصى شرق البلاد. تضاف إلى تلك المعاناة المعاملة السيئة التي اشتكوا منها على الحدود الأوروبية، فيما قالوا إنه تمييز طالهم حتى وهم في خضم المأساة الإنسانية الحاصلة.
حكايات رحلة نحو المجهول
مع اندلاع الحرب في أوكرانيا، وجد نحو 10 آلاف طالب عربي كانوا يدرسون بها، أنفسهم عالقين وسط نزاع لا ناقة لهم فيه ولا جمل، يواجهون فيه القصف الشرس والاشتباكات العنيفة. بينهم عديد من المغاربة، الذين يحتلون المركز الثاني كأكبر جالية طلابية أجنبية في أوكرانيا، إضافة إلى الجزائريين والمصريين والتونسيين واللبنانيين وجنسيات عربية أخرى.
ضمنهم كوثر مليحي، طالبة مغربية، كانت تعيش في مدينة أوديسا الساحلية (جنوب البلاد) ساعة ندلاع الحرب. تقول كوثر في حديثها إلى TRT عربي إنه “منذ أولى ساعات القصف وجدنا أنفسنا مضطرين إلى الهرب، خصوصاً بعد ما سمعناه من أطماع لبوتين في أوديسا، فيما بالنسبة إلى الأوكرانيين كان الأمر سهل لأن جوازاتهم تمنحهم إمكانية الدخول الاتحاد الأوروبي دون تأشيرة عكسنا نحن”.
وتضيف: “لم تكن أمامنا إلا ساعات قليلة لاتختذ قرار النزوح، الذي رغم ضرورته يبقى صعباً للمخاطر التي كانت تتعرضنا في الطريق”. وواجهت الطالبة المغربية وأصدقاؤها في الأول مشكلات في تأمين وسيلة النقل التي ستنقلهم نحو حدود مولدوفا، لكنهم نجحوا في الأخير في ذلك “بتنسيق مع الجامعة”.
ربما كانت كوثر أكثر حظاّ من كثير يعيشون نفس الوضعية، هي التي تفصلها مسافة قصيرة عن وجهة عبورها، ولقيت مساعدة لوجيستية من طرف جامعتها، كما أن “العبور من الحدود المولدوفية أسهل من نظيراتها في البولندية أو السلوفاكية” تؤكد المتحدثة، مشيرة إلى المتاعب التي عاشها أصدقاؤها الذين عبروا من تلك المناطق.
على الحدود
مع صعوبة عمليات الإخلاء المباشرة، عمدت خارجيات الدول العربية إلى توجيه رعاياها الفارين من الحرب في أوكرانيا إلى دول الجوار ومنها تعيدهم إلى بلدانهم الأصل. ونسقت الخارجية المغربية مع كل من بولندا والمجر وسلوفاكيا ورومانيا من أجل استقبال النازحين المغاربة على أراضيها. وفعلت سفارات كل من الأردن والعراق والجزائر ولبنان في دول الجوار الأوكراني نفس الأمر.
وأعلنت الخطوط الملكية المغربية عن رحلات خاصة من أجل إخلاء المغاربة النازحين من الحرب، وبأسعار مخفضة لا تتجاوز 75 دولاراً.
ورغم كل هذه الجهود لا يزال الطلبة العرب يعانون الأمرَّين على الحدود الأوكرانية، يجمع على ذلك نشطاء مغاربة انخرطوا في عمليات مساعدة لهؤلاء اللاجئين. حسب واحدة منهم، إيمان بنصالح، صرحت بأنه: “تصلنا رسائل عديدة عن مشكلات في العبور وخصوصاً على حدود بولندا وسلوفاكيا، وهناك مكث لاجئون ساعات طويلة في انتظار إدخالهم، يعانون من البرد والجوع والعطش، يضاف إليه التمييز بينهم وبين الأوكرانيين”.
في هذا السياق أظهر مقطع فيديو تعنيف حرس الحدود البولندي لعدد من النازحين العرب وهم يصرخون: “من فضلك لا تضرب نحن لاجئون!”. إضافة إلى مقاطع أخرى جرى تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي بطلبة مغاربة يتحدثون عن التعنيف الذي لقوه من قبل حرس الحدود، آتين على ذكر الضرب ورشهم بالغاز المسيل للدموع.
واشتكى لاجئون كثر من أصول إفريقية من أنهم يحلون في المرتبة الأخيرة عندما يتعلق الأمر بتصريح العبور أو تقديم المساعدات.
فيما نفت الخارجية الأوكرانية أي تمييز بين سكانها الأجانب والأوكرانيين، قائلة في بيان: “يجرى تطبيق نهج من يأتي أولاً يخدم أولاً على جميع الجنسيات، كما يوجد أيضًا إجراء معياري للتوثيق مطبق، مع استثناءات إنسانية معينة مسموح بها للنساء والأطفال”.
وتوضح كاسيا ريغولسكا، وهي ناشطة بولندية في قضايا اللاجئين وتنظم الآن عمليات استقبال اللاجئين، أن “المشكلات التي شهدها اللاجئون على الحدود البولندية تختلف من حالة إلى أخرى”. وتضيف: “التأخير الذي عانى منه الكثرون مقارنة مع نظرائهم الأوكرانيين، سببه أن حاملي جواز السفر الأوكراني لا يحتاجون تأشيرات عبور إلى الأراضي الأوروبية عكس نظرائهم من الجنسيات الأخرى”.
وتؤكد ريغولسكا: ” كان يوجد أشخاص لا يحملون معهم أي أوراق ثبوتية، واحتجزوا للتدقيق معهم لوقت أطول، وظل محامونا إلى جانبهم إلى حين عبورهم إلى الأراضي البولندية”.