حصاد نيوز – : لم يبق مجلس نقابة الصحفيين الأردنيين بابا يمكن أن يتم من خلاله حل أزمة الصحافة الإلكترونية، وإعفاء الدولة الأردنية من استمرار تراجع ترتيبها على مؤشرات الحريات الصحفية والإعلامية، إلا وأغلقه.
وبهذا، لم يبق هذا المجلس من حل لأزمة الصحافة الإلكترونية في الأردن، إلا المطالبة بإلغاء الزامية العضوية في هذه النقابة.. سيما، وأن الإلزامية تتعارض مع نصوص الدستور الأردني، ومع نصوص القانون الدولي، التي تسمو على القوانين المحلية، ومن بينها قانون نقابة الصحفيين.
تسمو بحكم نص قرار صادر عن محكمة التمييز الأردنية، له قوة القانون، وبحكم القانون الدولي ذاته (العهد الدولي لحقوق الإنسان، الذي ينص على اختيارية العضوية في الجمعيات والنقابات، وتعدديتها).
ما هو السبب الذي يكمن في توافق الحكومة، ومجلس النواب، وناشري والعاملين في الصحف والمواقع الإلكترونية، على تعديل قانون المطبوعات والنشر الأردني، الذي لم يمض على آخر تعديل له أواخر عهد حكومة الدكتور فايز الطراونة في 17/9/2012 غير سنة وخمسة أشهر..؟!
يكمن السبب في موقف مجلس حقوق الإنسان، المنبثق عن منظمة الأمم المتحدة، الذي يلوح بلغة فصيحة لا تقبل أي تأويل، بإدراج الأردن ضمن سجل الدول الأشد عداوة لحرية الإنترنت.. وهو قرار في حال اتخاذه، من شأنه أن يحرج عددا من الدول المانحة، في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية، التي تواصل تغطية المقدار الأكبر من العجز السنوي في موازنة الدولة الأردنية.
في شهر آذار/مارس المقبل، سيتقدم الأردن برده النهائي على مطالب وتوصيات مجلس حقوق الإنسان. وقبل ذلك التاريخ يفترض أن يكون أقدم على اجراءات عملية تشجع جمعية الصحافة الإلكترونية الأردنية على مخاطبة مجلس حقوق الإنسان لإبلاغه بأن الجمعية لم يعد لها أي اعتراض على قانون المطبوعات والنشر، بعد إعادة تعديله من جديد.. وهو ما تنهمك في الوقت الحاضر لجنة مصغرة من لجنتي التوجيه الوطني، والحريات، في مجلس النواب على إنجازه، من خلال إعادة صياغة كامل مواد قانون المطبوعات والنشر.
موقف الجمعية يتعامل مع عدد من الخيارات بالتتابع والتناوب:
أولا: استحداث بند استثنائي في قانون نقابة الصحفيين يتيح المجال لتصويب أوضاع ناشري المواقع الإلكترونية، والعاملين فيها لجهة عضوية النقابة، بالنسبة لكل من عمل في موقع اخباري فترة تتراوح بين سنة وسنتين.. أي الفترة الزمنية التي تعتمدها النقابة للتدريب قبل قبول عضوية الصحفي في النقابة.. وأن يعفي هذا البند رئيس تحرير الموقع الإلكتروني من شرط مضي أربع سنوات على عضويته في النقابة.
ثانيا: أو استبدال عضوية نقابة الصحفيين بعضوية جمعية الصحافة الإلكترونية بالنسبة لرؤساء التحرير..
ثالثا: أو استحداث نقابة للصحافة الإلكترونية.
رابعا: والخيار الرابع والأخير هو التوجه إلى المحكمة الدستورية للطعن في الزامية العضوية بنقابة الصحفيين.
هذا الطعن، المرجح أن تأخذ به المحكمة الدستورية، من شأنه أن يهدم المادة الأساسية التي تؤزم العلاقة بين الصحف والمواقع الإلكترونية من جهة، وبين الحكومة، لمصلحة نقيب ومجلس نقابة الصحفيين، وذلك لحسابات مصلحية تقوم على حسبة انتخابية.
يبلغ عدد اعضاء نقابة الصحفيين في الوقت الحاضر أكثر من ألف عضو.. ويبلغ عدد المواقع العاملة حاليا قرابة الأربعمائة موقع اخباري، بعد أن تم حجب قرابة الثلاثمائة موقع، عاد ثلثلها تقريبا للصدور بعد أن وفقت اوضاعها بشكل مؤقت.
ومن وجهة نظر مصالح نقيب واعضاء مجلس نقابة الصحفيين، فإن قبول عضوية اثنين، كحد أدنى من العاملين في كل موقع الكتروني يعني اختلال المعادلة الإنتخابية داخل نقابة الصحفيين، فلا يحظى نقيب الصحفيين، واعضاء مجلس النقابة بفرص الفوز من جديد، خاصة وأن القاعدة الأساسية التي تحكم اتجاهات التصويت في النقابة تقوم على العصبوية المستندة إلى جهة العمل..!
مجلس النقابة الأخير الذي انتخب بتاريخ 1/5/2011، فاز في عضويته اربعة اعضاء من صحيفة ‘الدستور’، وأربعة اعضاء من صحيفة ‘الرأي’ من بينهم النقيب. وعلى ذلك، فإن ممثلي الصحيفتين في مجلس النقابة يمثلون الأغلبية النسبية في المجلس (عدد اعضاء المجلس بمن فيهم النقيب 11 عضوا) .. ويمكن أن يضاف لهم أربعة اعضاء من وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، مع ملاحظة أن اثنان منهم يعملون في صحف يومية (الرأي والغد)..
فكيف إذا لفتنا النظر إلى أن مجلس النقابة يضم ثلاثة اعضاء ينتمون إلى عشيرة واحدة، واثنان ينتميان لعشيرة أخرى.. وهو أيضا عدد يحقق الأغلبية النسبية داخل مجلس النقابة، لأن من بينهم النقيب..!!
في ظل هذه التركيبة، نجد مفارقات مذهلة في مقترحات النقابة الخاصة بتعديل قانونها، المعروض مشروعه في الوقت الحاضر على مجلس النواب.
ففي الوقت الذي ينص أحد التعديلات على قبول عضوية غير حملة المؤهلات، فورا، ممن امضوا في العمل الصحفي ثمان سنوات (أي أنهم بدأوا العمل قبل ظهور المواقع الإخبارية الإلكترونية الأردنية)، نجد أن بندا آخر نص على تمديد فترة التدريب قبل الحصول على عضوية النقابة من سنتين، إلى ثلاث سنوات، بالنسبة لحملة المؤهلات العلمية..!!!
تسهيلات لغير المتعلمين، وتعقيدات للمتعلمين..!!!
والهدف من ذلك، هو مزيد من تأخير قبول عضوية العاملين في المواقع الإلكترونية.. وهي سياسة تم انتهاجها منذ مطلع 2010.
صدر في مطلع 2010 قرار عن محكمة التمييز اعتبر الموقع الإلكتروني مطبوعة. وتم تعديل قانون المطبوعات في عهد حكومة الدكتور معروف البخيت (آب/اغسطس 2011) اعتبر الموقع الإلكتروني مطبوعة.. أي أنه مضى على فتح باب نقابة الصحفيين قانونيا أمام عضوية العاملين في المواقع الإلكترونية منذ أكثر من أربع سنوات، لكن النقابة لم تقبل استلام أي طلب عضوية فيها من أي من العاملين في المواقع الإلكترونية حتى الآن.. بدعوى أن قانونها لا يستوعب العاملين في المواقع الإلكترونية، بخلاف الواقع القانوني القائم..!
وعليه، فإن موقف مجلس النقابة، الذي يصعب الفصل بينه وبين تركيبته، هو المتسبب لحسبة انتخابية، في الإشكال المفتعل بين المواقع الإلكترونية، والسلطات السيادية في الدولة الأردنية.
التوجه الغالب حاليا في اللجنة المصغرة المشكلة من لجنتي التوجيه الوطني، والحريات، هو الغاء الزامية العضوية في نقابة الصحفيين. وهو موقف مستجد لدى أعداد لا يستهان بها من النواب، بعد أن لمسوا عمليا حقيقة غياب المرونة عن مواقف مجلس النقابة.
إن صوت السادة النواب في هذا الإتجاه، يكونوا قد اخرجوا الزير من البير، وفكفكوا الأزمة المزمنة التي ظل يفتعلها نفر قليل سعيا وراء حسبة مصلحية ضيقة.. وقدموا خدمة كبرى لرأس الدولة، الذي يحرجه تعنت قبضة نقابيين.